آخر ورشة “نفخ زجاج” في دمشق تدرج كعنصر تراثي لامادي
نور ملحم
ضمن ورشته الصغيرة مقابل قوس “باب شرقي” في العاصمة السورية، ينفخ الحرفي أحمد الحلاق “أبو محمود” عبر أنبوب معدني طويل الزجاج المتوهّج قبل تكوين الشكل الأخير للقطعة.
يبذل الرجل ذو 65 عاماً قصارى جهده مع أخوته للحفاظ على هذه الحرفة التي التي ورثوها من أجدادهم منذ 150 عاماً فباتت الورشة الوحيدة المستمرة في العمل رغم جميع الصعوبات والعقوبات التي تواجههم.
يقول أحمد لـ”كيو بزنس” نحن آخر عائلة تعمل في مهنة نفخ الزجاج في دمشق، نحاول تعليم أولادنا ما تعلمناه من أبائنا وأجدادنا على أمل البقاء والاستمرار وعدم التوقف عن العمل.
رغم قلة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة مازال الحلاق وأخواته يفتح ورشته بشكل يومي ، ومن أمام النار المتوهجة من الموقد الخاص بصناعة الزجاج تجده يتفنن في صناعة النماذج الأثرية والتراثية إضافة للكؤوس فلات يتحكم عبر النفخ بالشكل والحجم وبعد أن يبلغ الشكل الذي يريده، يبرّد العجينة قليلاً قبل أن تدخل النيران مجدداً، وعبر ملقط من الحديد، ينهي تصميم تحفته.
تابعونا عبر فيسبوك
يشير الحرفي أحمد، انتشر في دمشق وحدها 17 مشغلاً لإنتاج الزجاج اليدوي، لم يبق منها سوى مشغل واحد تحافظ عليه عائلتنا “الحلاق” رغم انعدام حركة البيع والشراء، صنعنا عشرات الآلاف من القطع التي بيعت لسواح من مختلف مناطق العالم، لافتاً إلى أن تصدير الإنتاج متوقف حالياً ويقتصر على بعض السائحين الذين يزورون دمشق.
دمشق هي عاصمة الزجاج المزخرف، بما تنتجه من تحف زجاجية محلاة، بقطع من الذهب الخالص، وبما أبدعته أيادي حرفيّها من روائع زخرفية، وبما احتفظت به متاحف العالم من آثارهم، فمن صناعة الأواني الزجاجية بطريقة النفخ، والتكييف اليدوي، إلى صناعتها بطريقة القالب إلى التلوين على الزجاج، والزجاج المعشق، والحفر على الزجاج وصناعة الفسيفساء الزجاجية، بحسب ما أكده الحرفي أحمد الحلاق.
وأشار إلى أن تاريخ هذه الحرفة في دمشق يرجع إلى ما يزيد على أربعين قرناً، وما أدخله الحرفيون الدمشقيون من التحسينات والابتكارات، جعل سورية في العصر البيزنطي، وأثناء الخلافة الأموية البلد الرئيسي المصدر للزجاج في العالم، حيث اشتهرت الشام بمنتجاتها اليدوية، لما تمتاز به تلك المنتجات من طابع فني، ومن هنا باتت دمشق مقصداً للسياح وخبراء التحف من جميع أنحاء العالم.
يشعر الحلاق، صاحب المعمل الوحيد لصناعة نفخ الزجاج في سوريا، بالاعتزاز والفخر، بعد أن أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” في كانون الثاني مهنته التقليدية العريقة كعنصر تراثي جديد باسم سوريا على قائمة الصون العاجل ضمن قوائم التراث الثقافي الإنساني.
وتابع أعمل في هذه الحرفة منذ كان عمري تسع سنوات وأحبها كثيرا، وأفتخر بأنني شيخ كار “عميد” فيها وأشعر بالاعتزاز اليوم بعد أن تم إدراجها على قائمة التراث الثقافي والإنساني”، آملا أن تتعلم الأجيال القادمة هذه الصناعة وتحبها حتى يعود إليها الألق مثلما كانت أو أفضل.
وكانت قد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”، إدراج نفخ الزجاج التقليدي كعنصر تراثي جديد باسم سوريا على قائمة الصون العاجل ضمن قوائم التراث الثقافي الإنساني.
وذكرت المنظمة إنه جرى إدراج نفخ الزجاج السوري التقليدي في عام 2023 على قائمة التراث الثقافي اللامادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، بحكم أن هذه الخرفة تأثرت مثل باقي المهن التراثية بالحرب التي اندلعت في البلاد عام 2011، مع غياب السائح الأجنبي الذي كان يشتري منتجات مصنعة يدويا، والنقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل الورش، وهجرة أصحاب الخبرة في مثل هذه المهن.
شاهد أيضاً: هكذا سيكون الطقس خلال اليوم الخميس ؟!