سوريا والعرب.. حكّلي لحكّلك!
منتصف 2011.. حمل موفد من زعيم عربي رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تقول: لتقمْ بإحداث تغيير سياسي في الحكم وسنمنع تمدد الاحتجاجات ونوقف الدعم الخارجي لها.. فكان ردّ الأسد للموفد العربي: «سلم على من أرسلك، ولا جواب»! (المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية).
آب 2023.. كان قد مرّ نحو 3 أشهر على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد قطيعة دامت 12 عاماً.. ظهر الرئيس السوري حينها من قلب الإمارات على قناة «سكاي نيوز».. انتقد جامعة العرب وقال إنها «لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي»، ووصف العلاقات مع الدول العربية بأنها شكلية لم تتغير في العمق!.
ولكن.. اليوم وبعد مرور عام على عودة سوريا إلى «الحضن العربي»، هل تغيّر شيء في العمق؟.
في الصراعات عبر التاريخ هناك «صراعات صفرية» وهناك «صراعات تعاونية».
المعادلة في «الصراع الصفري» تتطلب أن يربح أحد الطرفين كل شيء مقابل خسارة الطرف الآخر لكل شيء.. أما المعادلة في «الصراع التعاوني» فتتداخل فيها المصالح بصورة تسمح بالمساومة وتقديم التنازلات، للوصول إلى اتفاق يكون على مبدأ أنه «لا بدّ للجميع أن يربح»! .
في سوريا بعد 13 عاماً من الصراع المحلي والإقليمي والدولي توصلت جميع أطراف الصراع إلى نتيجة مفادها أنه لن يكون هناك رابح لكل شيء مقابل خاسر لكل شيء، ولا بد من التفاوض ليربح الجميع!.
تابعونا عبر فيسبوك
فكيف سارت الأمور؟
نيسان 2023.. تبادل وزيرا خارجية سوريا والسعودية الزيارات إيذاناً بعودة العلاقات.. بعد شهر حدث أول اجتماع وزاري عربي في الأردن بمشاركة سوريا لمناقشة سبل إعادة العلاقات مع الدول العربية.. وخلال أيام تبنت الجامعة العربية بالإجماع قرار عودة سوريا، وشارك الأسد في قمة الرياض!.
لم يطل الأمر حتى صارت ورقة الأردن لحل الأزمة السورية معتمدة باسم «المبادرة الأردنية» التي تعتمد مبدأ خطوة مقابل خطوة.
تم تشكيل لجنة اتصال عربية لتطبيق المبادرة، اجتمعت في القاهرة الصيف الماضي.. اجتماعٌ لمرة واحدة لم يتكرر حتى تاريخه، وقيل إنه تأجل بسبب التحضيرات لقمة البحرين الحالية!.
تريد سوريا من العرب رفع العقوبات الأمريكية عن كاهلها، ومساعدتها للتعافي وإعادة الإعمار.
ويريد العرب من سوريا إنهاء عبء اللاجئين على أراضيهم في الأردن ولبنان، وإنهاء آفة المخدرات التي أفرزتها فوضى الحرب وأنهكت الأردن والسعودية على وجه الخصوص.. وتريد السعودية تحديداً إنهاء استنزافها في اليمن عبر التصالح مع سوريا وإيران.. وتريد أيضاً من السوريين ألا يدعوا الإيرانيين يفعلون ما يريدون فعله في سوريا!.
يقال إن سوريا قررت إخراج جماعة صنعاء من مقر سفارة اليمن بدمشق، وإعادة تسليم السفارة للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية!.
مرت سنة على عودة سوريا إلى «الحضن العربي».. حققت فيها دمشق مكاسب سياسية.. ولكن اقتصادياً جاءت النتيجة صفر حتى الآن!.
رغم التقدم السياسي والأمني بين سوريا والدول العربية بقي أثر العودة على نطاق محدود، ولم يلمس الشارع السوري أي وجود لتأثير اقتصادي كبير، بسبب الضغوط الأمريكية وسلاحها الاقتصادي «قيصر»، الذي جعل بعض الدول العربية تحجم عن التعامل بشكل كامل مع سوريا.. ولا تزال العودة دون الطموح!.
لا تأثير واضح للعودة أو نتائج واضحة للمبادرة الأردنية، لكن هناك أمور حدثت ينبغي الانتباه إليها!.
كشفت الأمم المتحدة مؤخراً عن وثيقة استراتيجية لإنشاء صندوق التعافي المبكر في سوريا ومقره في دمشق، بعد معارضة أمريكية حازمة للصندوق المالي منذ طرح الفكرة عام 2021، على اعتبار أنه يشكل أرضية لإعادة الإعمار في سوريا التي تمنع واشنطن إطلاقها قبل تنفيذ شروطها السياسية المعروفة.
الصندوق يتمتع بقدرته على التملص من العقوبات الأمريكية، ويمكن أن يستقبل أموال من دول الخليج التي تخشى سيف قانون قيصر.
الأمر الآخر الأكثر إثارة كان رفض إدارة بايدن التصديق على قانون «مناهضة التطبيع» مع دمشق بعد أن أقرّه مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة.
يقال إن البيت الأبيض وفي الكواليس يخفف بهدوء وعن عمد الضغط على سوريا، ويقال إن الإمارات ودول أخرى استغلت نفوذها في واشنطن، لمساعدة دمشق وإقناع بايدن بعدم تمرير القانون!.
فهل جاء صندوق «التعافي المبكر» كإحدى الثمار الأولية للمبادرة الأردنية؟ وهل يمكن القول إن العرب يبذلون جهداً لإنعاش سوريا ويصارعون لإنهاء سياسة «مناهضة التطبيع» الأمريكية؟.
باختصار: هل تغيّر شيء في العمق؟!.
شاهد أيضاً: خلال 5 أشهر.. حرب عالمية ثالثة !