التراجيديا الحكومية في القرار الاقتصادي.. هل بات القرار “شغل ساعته” ؟!
خاص- عمر علاء الدين
من الأعراف الموجودة في العمل الحكومي وتحديداً في الشأن الاقتصادي السوري، أن القرار المعلن عن رفع سعر سلعةٍ ما أو فرض ضميمة على منتج معين، أو منع استيراد أو تصدير سلعة.. إلخ، يكون ممهوراً بعبارة، “وعلى مقتضيات المصلحة العامة”، تتيح تلك العبارة لأيّ صانع القرار أن يفعل ما يريد.
وقد اختلف الخبراء في وصفهم للقرارات الحكومية بـ “الارتجالية” أو”العشوائية” أو “الموجهة لغير الصالح العام” بينما أجمعوا على أنها لا تمت للواقع المعيشي أو المصلحة العامة بصلة.
الرد الحكومي
حاولت “كيو بزنس” على مدار أكثر من أسبوع التواصل مع “مسؤولين” في وزارتي الاقتصاد والمالية، طالبةً الرد على اتهامات الخبراء بـ “عشوائية القرار”، إلا أنّ الرد من وزارة الاقتصاد لم يصل حتى لحظة كتابة هذا الملف، بينما اعتذرت وزارة المالية عن الرد بسبب سفر الشخص المطلوب خارج البلاد.
ولكي نتحرى الإنصاف، فسنورد اقتباسات من بيان سابق لـ اللجنة الاقتصادية” حول آلية اتخاذ القرار في الأمور الاقتصادية والمالية:
«تود اللجنة الاقتصادية أن توضح بأن عملية اتخاذ القرار الاقتصادي سواء أكان مالياً أو نقدياً أو تجارياً أو غير ذلك تتم وفق دراسات تفصيلية وبمستويات مختلفة».
«تتبنى اللجنة النهج ُمتعدد التخصصات، حيث يعمل على تحليل القضايا ذات الصلة من زوايا مختلفة تتكامل فيما بينها، وهذا النهج يساهم في التعاطي مع القضايا بدرجة أعلى من الفعالية».
صاحب القرار ينظر للناس كـ “عبئ” والقرار موجه !
الخبير الاقتصادي الدكتور هاني خوري أوضح لـ”كيو بزنس” أن صاحب القرار الاقتصادي ينظر للناس على أنها عبئ اقتصادي ومصدر للربح فقط، مؤكداً أن هذه الفئة غير مسموح لها بالمضاربة والحفاظ على مصالحها، ويجب أن تدفع أكثر للحكومة مع انها لا ترى تحسناً في واقعها، وعليها أن تعمل بدون قيمة حقيقية للمرتَّب أو الأجر الذي تتقاضاه.
وأردف خوري:”حين يشعر صاحب القرار الاقتصادي بأن هذا الاقتصاد “المدولر” يتجه لغير مصلحة التجار المحتكرين، يكون مستعداً لضبط السيولة ومنع تداولها بشكل قسري وغير منطقي يجعل المواطن السوري لاهثاً وراء احتياجاته”.
وبعيداً عن صاحب القرار، فإن القرار بحد ذاته كما يقول خوري، ليس ارتجالياً وإنما موجه نحو رفع التكلفة والتمويل بالعجز نتيجة الضغوط والحصار.
وأضاف: “معاناة المجتمع معروفة من قبل الحكومة، لكنها تفضل حل كل شيء بالتقشف، ولا تعرف معنى التحفيز الحقيقي لرأس المال والإنتاج، وتعمل عكس آليات الاقتصاد الحقيقي إاعطاء قيمة للعمل والعمل النوعي لتحمي المؤسسات فقط”.
«صحيح أن العملية قد نجحت ولكن المريض قد مات»
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور علاء أصفري لـ”كيو بزنس”،”إن من الإجحاف وصف القرار الاقتصادي بالارتجالي” مؤكداً أن الحكومة تمتلك خبراء واختصاصيين.
ويضيف أصفري: “قد يظهر للعلن أن قرارات الحكومة ارتجالية، وذلك لأنها عشوائية إلى حدٍ ما وتفرز نتائج مخيبة للآمال دائماً.
وركز أصفري خلال حديثه لـ”كيو بزنس”، على ضرورة دعم سبل الإنتاج كونها السبيل الوحيد للخروج من “عنق الزجاجة” التي يمر بها الاقتصاد، مضيفاً أن المشاكل التي تمس العملية الانتاجية هي: “الفساد والارتجالية الضغط الضريبي الهائل الذي لم يعتد عليه السوريون سابقاً في ظل هذه الظروف الصعبة”.
ولفت إلى أن على صانع القرار الاقتصادي أن يتحلى بالشجاعة لاتخاذ أي قرار ولو فيه قليل من المخاطرة إلا أنه يضمن عدم الدخول في مأزق مماثل لما يعانيه الاقتصاد السوري.
وضرب مثالاً على هذه الجزئية فقال: “عندما يكون هناك مزيد من القيود على الاقتصاد بهدف لجم التضخم الذي تعانيه الليرة فهذا قرار صحيح، ولكنه يؤدي إلى ركود اقتصادي هائل وهروب رأس المال وتوقف وسائل الانتاج، ويقولون “صحيح أن العملية قد نجحت ولكن المريض قد مات”.
سياق تاريخي في وصف الإنتكاسة !
ربما يقول القائل أن اتهامات الخبراء بـ “عشوائية القرار الاقتصادي” في سوريا لم تأتي عن عبث وربما هناك أسباب تاريخية أوصلت البلاد إلى هذا الحال.
في محاضرة للخبير الاقتصادي الشهير الدكتور نبيل سكر بعنوان “الإصلاح الاقتصادي في سوريا”، أورد الخبير ما يمكن تسميته بـ “أسباب الاختلالات” التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في ثمانينات القرن الماضي وتبعها عدة إصلاحات أدت مرة أخرى إلى انتكاسة جديدة.
الخبير أرجع سبب تلك الانتكاسة إلى عدة معطيات أبرزها:
*الإصلاحات لم تكن نابعة من نهج فكري واضح، كما لم توضع في منظومة إصلاح شامل بل كانت إصلاحات جزئية من منطلق إدارة الأزمة.
* أموال النفط المكتشف عام 1984، أعطت الحكومة “الأمان الكاذب” بأن الاقتصاد السوري بخير وبالتالي لا حاجة لاتخاذ قرار بالإصلاح العميق وتحمل مخاطرة.
ولخص الدكتور سكر، المشكلات التي مازالت ملاصقة للاقتصاد السوري مبرزاً مشكلات القطاع العام التي تتلخص بالمركزية الشديدة والبيروقراطية المفرطة، إضافة إلى بيئة التشريعية تعيق حركة القطاعين العام والخاص وفقاً لمتغيرات السوق.