هنا شُكّلت أول كتيبة عسكرية من المناوئين لحكومة دمشق، ومن هنا تم إعلان النواة الأولى لتنظيم عسكري «رخو» عرف باسم «الجيش الحر» تلاشت هيكليته بعد عام واحد فقط.
هنا كان معقل الناصرية في خمسينيات القرن الماضي، فأصبح معقل الإخوان المسلمين في الثمانينات.
وهنا أول مركز محافظة يسقط بيد المعارضة بشكل كامل، فأصبح لاحقاً بيد التنظيم الأكثر تطرفاً، هنا جزّ رأس أبي العلاء المعرّي بآلة قص البلاط!.
هنا غيّرت «النصرة» اسمها فأصبحت «هيئة»، و«مجلس الشورى» أصبح «مجلس إدارة»، ولجنة «غنائم الحرب» صارت «لجنة عقارات».
و«الحسبة» أصبحت «شرطة آداب».. هنا إدلب.. خط النهاية!
30 ألف مقاتل من الفصائل الموالية لتركيا، و30 ألفاً آخرين من «هيئة تحرير الشام» بقيادة الجولاني، وفصائل أخرى جهادية، كل هؤلاء ينتشرون في إدلب أو ما تبقى منها خارج سيطرة الحكومة السورية.
وهناك أيضاً 79 موقعاً عسكرياً لتركيا، وما يزيد على 15 ألف جندي وضابط تركي.. يشكلون «حاجز صدّ» بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة والجهاديين على تنوعهم.
أهلاً بكم في منطقة «درع الربيع» التركية المعشّقة بالجهادية!
اتفاق بين بوتين وأردوغان عام 2018، سمي بـ«اتفاق سوتشي»، نص صراحة على إنشاء منطقة منزوعة السلاح وإبعاد المتطرفين عنها، لتأمين وفتح الطرق الدولية (M-4) و (M-5).. لم تنفذ أنقرة المطلوب منها.. فشنّ الجيش السوري هجوماً واسع النطاق في إدلب.. سيطر على الطريق الدولي (M-5) وثلاث مدن رئيسية هي: معرة النعمان، خان شيخون، وسراقب.. ومعها عشرات البلدات والقرى
تدخلّت تركيا بشكل مباشر لإنقاذ ماتبقى لها ولجماعاتها في إدلب، ضمن عملية، أطلقت عليها اسم «درع الربيع».
انتهى كل ذلك باتفاق مُبهم وغامض بين بوتين وأردوغان في موسكو، ماظهر منه التأكيد على بنود «سوتشي» السابقة، وماخفي أعظم، موسكو أعطت أنقرة هذه المرة مهلة لإنهاء وجود «هيئة تحرير الشام» وأخواتها في إدلب.
وهنا بيت القصيد!
عامان مرّا على هذه الأحداث.. ماذا تغيّر؟
بدّل الجولاني ثوبه وثوب تنظيمه.. غيّر الأسماء، وشكّل حكومة مدنية تعمل تحت عباءته.. ارتدى بدلة إفرنجية أنيقة، وخاطب واشنطن متوسّلاً العفو.
باختصار.. وجّهت تركيا الجولاني للظهور بهيئة مدنية ترفع اسم تنظيمه عن قوائم الإرهاب.. لكن يبدو أن ذلك لم يمرّ حتى على أمريكا، فما بالك بصاحب المطلب الأساسي: روسيا!.
الحل بالدمج
تحركت أنقرة مؤخراً لدمج «هيئة تحرير الشام» بالفصائل الموالية لها، اجتماعات ولقاءات مع قادات الفصائل، وتغييرات، منها تعيين ضابط ارتباط تركي جديد، منفتح ومؤهل لتنفيذ مهمة التقريب بين تنظيم الجولاني والفصائل الموالية لتركيا.
يبدو أن هذا الحل صعب التحقق.. فهل يقبل الجولاني بسطوته أن يذوب ضمن فصائل المعارضة، إلا إذا كان هذا الاندماج صورياً؟!.
أمرٌ آخر.. دمشق وموسكو لن تقبل بذلك، بل ربّما يصبح الحل التركي، لو حدث، دافعاً أكبر لسوريا وحلفائها لصبغ كل الفصائل في إدلب بصبغة الإرهاب، وبذلك تكون تركيا انتقلت «من تحت الدلف لتحت المزراب».
ولكن من هو الحاكم الفعلي لإدلب الآن.. الجولاني أم تركيا؟
مهما علا شأن الجولاني، فإنه محكوم أولاً وأخيراً بقاعدة تقول: «الجيش السوري من أمامك وتركيا من ورائك»، رغم السطوة الظاهرة للجولاني، فإنه يعي تماماً أن تنظيمه لم يعد الحاكم الفعلي لإدلب.
هناك.. رسمت أنقرة خطوط سطوتها بأعداد هائلة من العسكر على كامل الخريطة.. وضعتهم على طول الطريق الفاصل بين الجيش السوري و«هيئة تحرير الشام».. هؤلاء العسكر ورقة تفاوض مع دمشق، لكنهم أيضاً ورقة ابتزاز للجولاني في حال قرر التمرد عليها، بسحبهم وترك الجولاني لمصيره في مواجهة الجيش السوري.
الأرض في إدلب ممهدة لصدام عسكري في أي لحظة يرسم خط النهاية هناك إلى الأبد.. ولكن ماقد تعيده الحرب ربما يعود بـ«صفقة».
«صفقة» على هيئة حرب!.. والله أعلم.
https://www.facebook.com/QstreetJournal/videos/237224705134140