يحكى أن فتنة حدثت في حي «باب توما» الدمشقي، بين المسلمين والمسيحيين، صيف 1860، يعرفها العوام من أهل الشام باسم «طوشة النصارى».. كاد المسيحيون فيها يهلكون، لولا أن تدخّل زعيم جزائري نفاه المحتل الفرنسي إلى دمشق.. هو «الأمير عبد القادر الجزائري».
حين وقعت الفتنة، فتح الأمير عبد القادر منزله للهائمين على وجوههم، وأسس جيشاً صغيراً من أتباعه لحمايتهم، وطالب بمفاتيح قلعة دمشق لوضعهم في داخلها.. ليصبح بعد ذلك رمزاً من رموز إخماد الفتنة التي حلّت بالشام، حتى قيل على سبيل المديح: «هي سابقة أن شخصاً واحداً استطاع حماية أمة بكاملها».
صارت سوريا موطن الأمير الجزائري، وكاد أن يصبح ملكاً على الشام في تلك الفترة، بعروض عربية وأخرى فرنسية وحتى بريطانية.. لكنه رفض لئلا يثير غضب العثمانيين.
بعد هذه الأحداث بسنوات كثيرة.. سقطت السلطنة العثمانية، وحكم حفيده الأمير سعيد الجزائري دمشق لـ4 أيام فقط، كأول حاكم للشام بعد سقوط السلطنة.
العبرة من هذه الحكاية أنه إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث بين سوريا والجزائر في هذه الأيام، فعليك أن تعرف ماذا حدث بينهما في غابر الزمان!
باختصار.. لماذا الجزائر أقرب إلى سوريا من حبل الوريد؟
دعنا نروي لك حكاية أخرى.. ربيع 1957 كانت الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي في أوجها، يومها زار وفد جزائري دمشق، وكان في استقبالهم رئيس سوريا آنذاك شكري القوتلي.. حينها أمر القوتلي قائد الجيش السوري، في حضرة الوفد، بفتح مخازن الذخيرة «حتى يأخذ منها المجاهدون الجزائريون ما يريدون».
وخاطب الجزائريين قائلاً: «إن أردتم سلاحاً أمددناكم بالسلاح، وإن أردتم مالاً عندنا ما نستطيع بذله، وإن أردتم رجالًا فرجال سوريا مستعدون لخوض الوغى إلى جانبكم».
يومها قدمت سوريا للوفد الجزائري مبلغاً جُمِع من التبرعات، يقدر بمليون و800 ألف ليرة، ونحو 50 مليون دولار، بصكوك موقعة من الرئيس القوتلي نفسه.
لنقفز بالزمن إلى التسعينات.. هل تعلم أن الجزائر مرّت بحرب مشابهة للحرب التي تعيشها سوريا، استمر عشر سنوات، وسميّت «بالعشرية السوداء»؟.
هل سألتك نفسك يوماً.. لماذا هلّلت الحكومة الجزائرية علناً لسيطرة الجيش السوري على حلب عام 2016؟، وفاجأ وزير خارجيتها الجميع بقوله وعلى رؤوس الأشهاد إن «الجيش السوري استرجع مدينة حلب من الإرهابيين».
الإجابة قد تكون في تصريح لافت للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال مقابلة تلفزيونية، قبل أشهر، حين كشف أن بعض الأطراف هددت بلاده قائلةً: «سنعود إلى الجزائر بعد أن ننتهي من سوريا»، فردّ تبون: «أنا أقول لهذه الأطراف لحمنا مرّ»
فهل ترى الجزائر أن ما يحدث في سوريا أكبر من صراع على السلطة؟
الجزائر من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها مع حكومة دمشق خلال الحرب.. تحفظت على قرار الجامعة العربية بطرد سوريا منها، وعارضت بشدة محاولة منح هذا المقعد للمعارضة.
يقال إنها «تدعم الحكومة السورية بهدوء»، عقب زيارة مفاجئة، قام وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل إلى سوريا عام 2016، قال إن «موقف الجزائر من الأزمة السورية مرتبط بالدعم اللا مشروط لدمشق للثورة الجزائرية».
إذن السبب الأول لموقف الجزائر هو «امتنان تاريخي».
أما السبب الثاني هو أن الجزائر واجهت حرباً مشابهة ضد تنظيمات إسلامية في التسعينيات، بفارق أن ما حدث في سوريا أضخم وأكثر تنظيماً.. إذن من الطبيعي أن تتخوف من صعود الأصولية مرة أخرى، وعودتها إلى الجزائر.
ي زمن «العشرية السوداء» اتهمت الحكومة الجزائرية شيوخ سعوديين بالوقوف وراء الفتاوى الجهادية التي قادت إلى اقتتال الجزائريين.. عدا عن خلافاتها الأخرى مع السعودية التي يصعب حصرها في هذا التقرير.. وعليه من الطبيعي أن تقف الجزائر في محور دمشق.
بعد كل ماسبق.. صار أمراً سهلاً الإجابة على سؤال: لماذا تستميت الجزائر في محاولة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟
https://www.facebook.com/QstreetJournal/videos/2981325362132991