«الروبل» مستقر.. فهل نجح الاقتصاد الروسي في تجاوز العقوبات.. ؟!
بلغ الروبل الروسي 52.3 مقابل الدولار يوم الأربعاء الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ أيار 2015.
وتُعتبر هذه المستويات بعيدة عن المستويات التي وصل لها 139 مقابل الدولار في أوائل آذار، عندما بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو رداً على حربها لأوكرانيا.
ويستشهد الكرملين بالارتفاع المذهل للروبل في الأشهر التالية باعتباره “دليلاً” على أن العقوبات الغربية لا تؤثر.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي: «كانت الفكرة واضحة وهي سحق الاقتصاد الروسي بعنف..لم ينجحوا، ومن الواضح أن هذا لم يحدث».
في أواخر شباط، بعد الانهيار الأولي للروبل وبعد أربعة أيام من بدء حرب أوكرانيا في 24 شباط، ضاعفت روسيا سعر الفائدة الرئيسي بأكثر من الضعف إلى 20% من 9.5%.
ومنذ ذلك الحين، تحسنت قيمة العملة لدرجة أن المركزي الروسي خفض سعر الفائدة ثلاث مرات لتصل إلى 11% في أواخر أيار.
لقد أصبح الروبل في الواقع قوياً للغاية لدرجة أن البنك المركزي الروسي يتخذ إجراءات لمحاولة إضعافه، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى جعل صادرات البلاد أقل قدرة على المنافسة.
لكن ما هو السبب الحقيقي وراء ارتفاع العملة الروسية؟
النفط والغاز
تجني روسيا عائدات قياسية من النفط والغاز، والأسباب هي أن أسعار الطاقة المرتفعة بالإضافة إلى ضوابط رأس المال التي وضعتها روسيا منذ بداية الحرب.
وروسيا هي أكبر مصدر للغاز في العالم وثاني أكبر مصدر للنفط، ويُعتبر عميلها الأساسي هو الاتحاد الأوروبي، الذي كان يشتري ما قيمته مليارات الدولارات من الطاقة الروسية أسبوعياً بينما يحاول في الوقت نفسه معاقبة روسيا، مما وضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج.
فقد أرسل الآن أموالاً إلى روسيا من مشتريات النفط والغاز والفحم بشكل مضاعف أكثر مما أرسل إلى أوكرانيا كمساعدة، الأمر الذي ساعد في ملء صندوق حرب الكرملين.
ومع ارتفاع أسعار خام برنت بنسبة 60% عما كانت عليه هذا الوقت من العام الماضي، على الرغم من أن العديد من الدول الغربية قد خفضت من مشترياتها من النفط الروسي، لكن لا تزال موسكو تحقق أرباحًا قياسية، لذا فإن هذا يجلب فائضًا كبيرًا في الحساب الجاري.
كان فائض الحساب الجاري لروسيا في الفترة من كانون الثاني إلى أيار من هذا العام يزيد قليلاً عن 110 مليار دولار، وفقاً للبنك المركزي الروسي، أي أكثر من 3.5 أضعاف تلك الفترة من العام الماضي.
ضوابط صارمة على رأس المال في روسيا
ولقد لعبت ضوابط رأس المال، أو بمعنى آخر تقييد الحكومة للعملة الأجنبية التي تغادر بلدها دوراً كبيراً، بالإضافة إلى حقيقة أن روسيا لا تستطيع الاستيراد بسبب العقوبات المفروضة من الغرب، مما يعني أنها تنفق القليل من أموالها على شراء أشياء من الخارج.
وقال نيك ستادميلر، مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في Medley Global Advisors في نيويورك: «نفذت السلطات ضوابط صارمة للغاية على رأس المال بمجرد ظهور العقوبات، والنتيجة هي تدفق الأموال من الصادرات في حين أن التدفقات الرأسمالية الخارجة قليلة نسبيًا، والتأثير الصافي لكل هذا هو روبل أقوى».
وخففت روسيا الآن بعض ضوابطها على رأس المال وخفضت سعر الفائدة في محاولة لإضعاف الروبل، لأن قوة العملة تضر في الواقع بحسابها المالي.
هل سعر الروبل = سعر بوتيمكين؟
كلمة “بوتيمكين” ترمز إلى البلد التي توفر واجهة خارجية جيدة بهدف إثارة الإعجاب بها، مما يجعل الناس يعتقدون أن البلد يسير بشكل أفضل، لكنها في حقيقة الأمر لا تسير على ما يرام.
قال ماكس هيس، الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، لشبكة CNBC، لأن روسيا معزولة الآن عن نظام SWIFT المصرفي الدولي ومُنعت من التجارة الدولية بالدولار واليورو، فقد تُركت للتجارة مع نفسها بشكل أساسي.
وهذا يعني أنه في حين أن روسيا تراكمت حجمًا هائلاً من الاحتياطيات الأجنبية التي تعزز عملتها في الداخل، فإنها لا تستطيع استخدام هذه الاحتياطيات لتلبية احتياجاتها من الواردات، وذلك بسبب العقوبات الغربية.
وأضاف هيس «سعر صرف الروبل هو حقًا سعر “بوتيمكين”، لأن إرسال الأموال من روسيا إلى الخارج في ظل العقوبات سواء على الأفراد الروس أو البنوك الروسية أمر صعب للغاية، ناهيك عن ضوابط رأس المال الروسية».
وأشار هيس «الروبل على الورق أقوى قليلاً، لكن هذا نتيجة لعدم القدرة على شراء واردات، وما الفائدة من تكوين احتياطيات النقد الأجنبي، لكن لا تستطيع أن تذهب وتشتري الأشياء من الخارج التي تحتاجها لاقتصادك».
لذلك يعتقد بعض المحللين أن قوة الروبل ليست مبنية على أسس اقتصادية سليمة لروسيا.
ويبدو أن كلام المحللين يتفق مع البيانات الأخيرة من روسيا، حيث أعلنت وكالة الإحصاء الروسية أن عدد الروس الذين يعيشون في فقر ارتفع من 12 مليون إلى 21 مليون شخص في الربع الأول من عام 2022.