ما هو مصير الاقتصاد العالمي بعد سنوات؟
كتب الخبير الأمريكي نورييل روبيني مقالة تنبأ فيها عما سيؤول إليه اقتصاد العالم بعد سنوات، مبيناً أن العالم قد يواجه خلال العقود القادمة أخطاراً كبرى، من شأنها أن تهدد ليس فقط اقتصادنا العالمي وموجوداتنا المالية، ولكن أيضاً تهدد السلام والثراء.
يقول روبيني : ” في عالمنا السياسي المتحزب، حيث نركل العلبة في الطريق -نحن متحيزون لصالح التخطيط قصير المدى، تاركين التفكير حول المستقبل للآخرين- هذه الأخطار شيء مختلف. وإذ تترك لتنمو فإنها سوف تحول حياة الناس إلى ما هو أسوأ حول العالم”.
هنالك أخطار كبرى يكتفي روبيني بذكر ثلاثة منها وهي:
أولاً هاجس التضخم والركود المتزامن.
ثانياً: جميع أزمات الديون التي وصلت فيها معدلات الدين الخاص والعام إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ثالثاً: مجاميع سكانية هرمة.
كل هذا برأي روبيني يهدد بانهيار أنظمة التقاعد والرعاية الصحية في العالم.
أما بالنسبة للشكل الذي ستكون عليه أزمة اقتصاد العالم هذه المرة، يقول روبيني: “سوف يحصل ركود عالمي شديد -لا بالقصير ولا بالضحل- حيث تتسبب معدلات الدين المرتفعة ومعدلات الفائدة المتصاعدة في إحداث زيادة حادة في مشاكل خدمة الدين. سوف يحيق العجز عن سداد الديون بالعائلات الكسولة كما بالشركات والمؤسسات المالية والحكومات والبلدان، بينما تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة -وليس تخفيضها كما رأينا خلال العقود الأخيرة- من أجل محاربة التضخم. ولسوف يبدأ تسعير الاقتصاديات المتقدمة مثل بريطانيا مثلها في ذلك مثل الأسواق الناشئة، وذلك على إثر السياسات الاقتصادية والمالية الكارثية، وبما أن حقبة المال الزهيد قد ولت، فلسوف تنفجر فقاعات الأسهم الخاصة والعقارات والمشاريع الرأسمالية والعملات الرقمية.
يتعمق روبيني بأسباب حدوث الأزمة الاقتصادية، والتي في حال حدثت فعلاً، فستكون حادة حسب وجهة نظره، من هذه الأسباب:
تابعونا عبر فيسبوك
رد الفعل العالمي ضد الديمقراطية الليبرالية وصعود الأحزاب السلطوية الراديكالية لليمين المتطرف ولليسار المتطرف مدفوع جزئياً بالارتفاع الحاد في الدخل وفي انعدام المساواة في توزيع الثروة، حيث يشعر العمال بأنهم قد تم التخلي عنهم، بينما تكسب النخبة مزيداً من المال والنفوذ. سوف يتفاقم الأمر مع فقدان الوظائف، ليس بسبب التجارة والهجرة، وإنما لأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة سوف تفضي إلى بطالة تكنولوجية دائمة.
الصراع في أوكرانيا والذي يزيد من مخاطر تجدد الحرب الباردة بين الغرب والقوى الأخرى مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية. وصلت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان إلى ذروتها في الشهور الأخيرة، ويمكن أن تشهد مزيداً من التصاعد. كما أن المخاطر المستمرة للصراع بين إيران و”إسرائيل” يمكن أن تقوض توازننا جميعاً.
ثم هناك الخطر الأكبر الأكثر إلحاحاً والأكثر واقعية من كل ما عداه، ألا وهو أزمة المناخ، والتي سوف تسبب كوارث اقتصادية وبشرية غير مسبوقة وغير قابلة للإيقاف فيما لو استمر تجاهلها، علماً بأنها أصبحت على مرمى حجر أو أدنى. ولا أدل على ذلك من أن الكوارث الطبيعية هذا العام وحدها تسببت في تهجير ما يقرب من مليون لاجئ مناخي. اجتاحت موجات الجفاف والحرارة المرتفعة الهند والباكستان وبلدان أفريقيا ما دون الصحراء، وكذلك المناطق الغربية من الولايات المتحدة.
يرى روبيني بأنه لا يوجد سوى طريق واحد لتفادي مثل هذا السيناريو الخطر، وهو التعاون من قبل السياسيين على الصعيدين المحلي والدولي لتبني سياسات سليمة، وحلول تضمن استمرار نصف قرن من السلام والثراء، رغم ما فيه من مطبات.
من المهم أن يدرك قادة العالم وجود مثل تلك الأخطار الكبرى على اقتصاد العالم، حتى يتمكنوا من التصدي لها وعلاجها قبل فوات الأوان. ولكن طالما ظلت السياسة المستقطبة والعاجزة والتنافسات الجيوسياسية الحادة تمنع التعاون الدولي المطلوب بإلحاح، فإن الطريق المختل يبدو الأكثر احتمالاً.