القواعد الأمريكية في سوريا.. هل هي في مأمن؟!
تسعى الولايات المتحدة من خلال حضورها العسكري في سوريا، إلى تحقيق جملة أهداف استراتيجية، من بينها المحافظة على ضبط إيقاع الأوضاع في هذا البلد، بما ينسجم مع رغبات وطموحات واشنطن وحلفائها في المنطقة ومن أبرزهم “إسرائيل”.
وكانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي زعمت في وقت سابق، “أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا ثلاثة، وهي ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيميائية، وهزيمة “تنظيم الدولة”، وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران”، مضيفةً “هدفنا أن تعود القوات الأمريكية إلى الوطن، لكننا لن نسحبها إلا بعد أن نتيقن من أننا أنجزنا هذه الأمور”.
واعتباراً من تشرين الأول من العام 2015، انتشرت أول دفعة من الوحدات الخاصة الأمريكية في سوريا، تحت عنوان التحالف الدولي لمحاربة “تنظيم الدولة”.
ومع تطوّر المعركة، تمّ تعزيز تلك القوات لدعم قوات “قسد” ومجموعات أخرى من المعارضة السورية، وبمعزل عن الجدال المتعلّق بمشروعية وجود هذه القواعد استناداً إلى القانون الدولي أو عدم مشروعيته، فإنّنا سنسلّط عليها الضوء مستعرضين أماكن التمركز والمهمات، والأهداف والتحديات التي تواجهها.
تتوزع القواعد العسّكريّة الأمريكيّة شرق سوريا، في المنطقة الممّتدّة شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التّنف الحدوديّ، إلى الشّمال الشّرقيّ بالقرب من حقول رميلان النّفطيّة، وتتوزّع في الحسكة ودير الزّور، كما أنّ توزّع القواعد الأمريكيّة جعلها أشبه بالطّوق الذّي يُحيط بمنابع النّفط والغاز السّوريّ المتواجد شرق نهر الفرات، وهو ما يُمثّل غالبية الثّروة الباطنيّة لسوريا.
تابعونا عبر فيسبوك
من أهم أماكن التمركز الأمريكي في سوريا، قاعدة رميلان شمال شرق الحسكة على مقربة من الحدود العراقية السورية، وتستعملها القوات الأمريكية حالياً كمهبط لطائرات نقل عسكري خفيف.
فيما تعتبر قاعدة عين العرب في حلب، معسكر تدريب ومهبط لطائرات النقل العسكري الأمريكي.
قاعدة “المبروكة” والتي تقع غرب الحسكة، وهي عبارة تجمع سكني للقوات مع نقطة تمركز خاصة مزوّدة بطوافات قتال ونقل ومساندة، إضافةً إلى قواعد “روباريا وتل البيدر وتل أبيض على الحدود التركية، وقاعدة الشدادي والطبقة غرب نهر الفرات.
كما أن للقوات الأمريكية قاعدةً في التنف، الواقعة على المثلث الحدودي بين الأردن وسوريا والعراق، وتحتضن أكبر معسكر تدريبي وعملاني لتجمّع من الفصائل المسلّحة، والتي شهدت أيضاً مؤخراً زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي، والعديد من القواعد القريبة من الحقول النفطية “حقل العمر وكونيكو وحقل التنك”.
وكانت الوحدات الأمريكية قد أخلت في وقت سابق، قاعدة عسكرية في منطقة زكف القريبة من الحدود مع العراق، بسبب اقتراب وحدات الجيش السوري وحلفائه منها خلال عملية تحرير مدينة البوكمال من “تنظيم الدولة”.
الإدارة الأمريكية وعلى لسان المتحدث باسم البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط إريك باهان، أعربت عن استيائها الشديد من قيام تركيا، وعبر وكالة الأناضول التركية، بتسريب معلومات وإحداثيات عن قواعد عسكرية أمريكية في سوريا، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحرص على إبقائها سرية.
تابعونا عبر فيسبوك
وهذا الحرص على السرية يعود إلى نوعين من الأسباب:
أسباب أمنية:
حيث تعتبر واشنطن أن قواعدها في سوريا هي في مناطق غير ممسوكة أمنياً بشكل كامل، صحيح أن القواعد الموجودة في سوريا هي بمعظمها في أماكن سيطرة “قسد”، ولكن بقعة انتشارها تبقى قابلة للاختراق من عناصر مسلحة، أو من عناصر أخرى تعارض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.
من ناحية أخرى، الميدان السوري حيث تتمركز تلك القواعد معرّض لعمليات إطلاق صواريخ أو لرمايات مدفعية من اتجاهات متعددة، وهو ما أثبتته السنوات التالية للوجود الأمريكي في سوريا حيث تم استهداف قواعدها عدّة مرات بصواريخ متنوعة ما أسفر عن العديد من الإصابات البشرية والمادية.
وتشير المعلومات إلى أنه ينتشر في سوريا حالياً 28 موقعاً أمريكياً منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، وبحسب المعلومات فإن هذه القواعد تضم أكثر من ألفي جندي أمريكي، تحت حجة دعم قوات “قسد”، ومنع قيام “تنظيم الدولة” مجدداً.
وتزايدت، وتيرة الهجمات على القواعد الأمريكية بشكل غير مسبوق، ما صعّد مخاوف قوات التحالف من احتمالية سقوط قتلى من جرّائها، وهو ما سيكون من شأنه توليد ضغط أمريكي داخلي للمطالبة بسحب القوات من سوريا.
وعبّر عن تلك المخاوف بوضوح، إلقاء مروحيات أمريكية منشورات ورقية في بادية الـ55 كلم التي تفصل مناطق سيطرة الجيش السوري عن قاعدة التنف في ريف حمص، تفيد بتخصيص جوائز مالية لكلّ من يَعلم شيئاً عن أماكن تواجد المسيّرات والصواريخ التي تستهدف القاعدة بين الفترة والأخرى.
الهجمات الأخيرة على القواعد الأمريكية لم تعُد تُقيَّم في إطار العمل المحدود الذي لا يشكّل خطراً على حياة الجنود الأمر، وإنما بات يصل إلى العمق، ما يشكّل خطراً غير مسبوقاً على القواعد الأمريكية والجنود الأمريكيين على حدٍ سواء.
تابعونا عبر فيسبوك
الهجمات الأخيرة على القواعد الأمريكية لم تعُد تُقيَّم في إطار العمل المحدود الذي لا يشكّل خطراً على حياة الجنود الأمر، وإنما بات يصل إلى العمق، ما يشكّل خطراً غير مسبوقاً على القواعد الأمريكية والجنود الأمريكيين على حدٍ سواء، خاصة بعد أن نجحت الصواريخ المجهولة في الوصول إلى مهبط المروحيات في «قاعدة العمر» في ريف دير الزور، وأدت إلى سقوط جرحى في المعارضة المسلحة في «التنف».
كما أن الإعلان الأمريكي عن إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية في شمال شرقي سوريا بعد نجاحها في التحليق لعدة ساعات في الأجواء، وتمكّن ثلاث مسيّرات أخرى من التحليق في أجواء «التنف»، واستهدافها للقاعدة بعدّة صواريخ خلّفت أضراراً مادية، كلّها معطيات رفعت من مستوى الخطر المحدق بالقواعد الأميركية.
الهجمات استدعت تعزيزاً أمريكياً لأنظمة الدفاع داخلها، مع حرص واشنطن على إعلان وصول هذه الأنظمة، فهي استخدمت، في ردّ فعل غير مسبوق، مضادّات جوّية لإسقاط إحدى المسيّرات خلال استهدافها لـ«حقل العمر»، فيما أطلقت بالونات حرارية مزوّدة بكاميرات وأنظمة مراقبة في أجواء مناطق انتشارها في شمال شرقي سوريا، لرصد وتتبّع أيّ نشاط مُعاد لها.
الاستهدافات التي شهدتها القواعد الأمريكية، كانت الغاية منها بحسب مراقبين توجيه رسائل لإدارة جو بايدن من أجل وضع قواعد اشتباك تمنع استهداف قوى “المقاومة” في سوريا، والضغط على القوات الأمريكية من أجل انسحابها من هناك.
وتأتي زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، في وقت يحاول فيه سياسيون تمرير قرار يقضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
تابعونا عبر فيسبوك
وقال مراقبون إن القوات الأمريكية تؤمّن عبر قواعدها في الشرق والشمال الشرقي اللذين تنتشر فيهما «قسد»، الإشراف على المناطق النفطية والمنطقة التي تصل بين سوريا والعراق، علماً أن قاعدة “التنف” استخدمتها “إسرائيل” في أوقات سابقة خلال شنّ هجمات صاروخية في سوريا، عبر طائرات دخلت البلاد من فوق القاعدة، وفق ما قاله المراقبون.
وتؤكد دمشق وموسكو، واشنطن، بتحويل القاعدة إلى مركز دعم لوجستي لـ”تنظيم الدولة” الذي تنطلق خلاياه من منطقة التنف، وتنفّذ عمليات ضدّ مواقع للجيش السوري بين وقت وآخر.
وتأتي التحرّكات الأمريكية المتزايدة في الملفّ السوري ميدانياً وسياسياً، ومن بينها التلويح بعقوبات إضافية في قانون “قيصر” لمواجهة حركة الانفتاح العربي على دمشق، في وقت تتابع فيه عواصم عربية المضيّ في هذا المسار، وخاصة بعد الزلزال الأخير الذي شهتته مناطق في سوريا، فقد أعلنت تونس، أخيراً، رفع مستوى علاقتها بدمشق، التي كان قد زارها أيضاً وزير الخارجية المصري الأسبوع الماضي، بينما يُنتظر أن تخطو السعودية على الطريق نفسه، ضمن مبادرة وساطة تقودها الإمارات وسلطنة عُمان والأردن.
شاهد أيضاً : صحيفة روسية تتحدث عن زيارة مرتقبة للرئيس الأسد