ســــــوريـا والـــعـراق.. إخـــــــوةُ الـــفـرات
هنا.. على جانبي نهر الفرات تاريخ حديث من الصراع بين أبناء العمومة، بدأ عقب الاستقلال عن فرنسا وبريطانيا.. وتلاشى تدريجياً بعد غزو العراق.. ثم تحوّل إلى “عناق” مع ظهور “داعش”!.
يُسجّل للعراق إرسال قواته إلى الجبهة الشرقية ومساندة سوريا في مواجهة “إسرائيل” خلال حرب 1973.
ويسجّل لسوريا أنها كانت الدولة العربية الوحيدة التي لم ترفض الغزو الأمريكي للعراق فحسب، بل وفتحت حدودها الشرقية لمقاومته وإنهاكه.
ولكن ما بين حرب تشرين وغزو العراق تاريخ من الصدام بين دمشق وبغداد.. يتمنّى أبناء العمّ اليوم لو أنه لم يُكتَب!
كما أن ما حدث قبل 1973 لم يكن أقل سوءاً!
بعد سنوات قليلة من استقلال سوريا والعراق عن الانتداب الفرنسي والبريطاني دخلت الدولتان في خلافات وتوترات وصلت حدّ العداء والقطيعة.
كان للولايات المتحدة دور في إذكاء هذا العداء من خلال طرح مشاريع أحلاف، لتشكيل طوق حول الاتحاد السوفييتي من دول الإقليم.
“حلف بغداد” عام 1955 شكّل أول نقطة افتراق بين سوريا والعراق، مع انضمام العراق للحلف الأمريكي، ورفض سوريا الانضمام إليه.
الخلاف الثاني اندلع مع تأييد بغداد لـ”مشروع آيزنهاور” بوصفه مشروعاً يؤدي إلى تطوير اقتصاد البلدان المنتمية إليه، فيما رفضت دمشق المشروع باعتباره يبرر تدخل أمريكا في شؤون الدول عبر نظرية “الفراغ السياسي” التي طرحها.
مع تسلّم حزب البعث السلطة في سوريا والعراق عام 1963.. ورغم أن “العقيدة واحدة” في الدولتين، لكن الخلاف تصاعد حول المرجعية القيادية للحزب، وحدثت انشقاقات كبيرة داخل البعث، رفعت درجة العداء بين دمشق وبغداد.
عام 1978.. ومع جنوح مصر للسلام مع “إسرائيل”، جمعت التهديدات الجديدة سوريا والعراق على طاولة واحدة، ورسما معاً خطوات “دولة الوحدة” قبل أن يصل صدام حسين إلى السلطة ويمحو هذه الخطوات، متحدثاً عن مؤامرة مزعومة للإطاحة بالحكومة العراقية.
جاءت الحرب بين العراق وإيران لتعمّق الشرخ، مع إعلان سوريا أن الحرب على إيران “حربٌ خاطئة”، فقطعت بغداد العلاقات مع دمشق، ثم دعمت تمرّد الإخوان المسلمين في سوريا.. فأغلقت سوريا حدودها مع العراق عام 1982، ما أدى إلى قطع خط أنابيب النفط العراقي إلى البحر المتوسط.
بعد سنوات، اجتاح العراق دولة الكويت، فوقفت دمشق ضد الاجتياح، ودخلت في التحالف الدولي لتحرير الكويت..
بقيت العلاقات مقطوعة حتى عام 1997، حين احتاجت الحكومة العراقية لتخفيف وطأة الحصار الاقتصادي، فتحسنت العلاقات بين الدولتين.. وازداد التحسّن مع معارضة سوريا للغزو الأمريكي للعراق.
بعد الاحتلال بعدة سنوات زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم العراق أواخر عام 2006، وأعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت ربع قرن.. لكن العلاقات بقيت متذبذبة حتى وقع المحظور في سوريا!.
تابعونا عبر فبسبوك
فكيف تعامل العراق مع أحداث 2011 المأساوية في سوريا؟
الحياد المُنحاز!
أنهت الأحداث التي اندلعت في سوريا ربيع 2011، حالة التذبذب في العلاقات بين دمشق وبغداد.. واتخذ العراق موقفاً واضحاً منذ البداية.
رغم أن الموقف العراقي اعتبر نوعاً من “النأي بالنفس” على الطريقة اللبنانية، لكن حكومة بغداد كانت واضحة برفض التدخل الخارجي في سوريا وتسليح المعارضة، كما رفضت العقوبات الغربية وتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.
حتى إن رئيس الحكومة نوري المالكي الذي لم يكن على وفاق دائم مع حكومة دمشق قبل الأحداث، هاجم أنقرة بسبب موقفها من الأزمة السورية وقال إن “تركيا تتبنى سياسة وقحة”!
فلماذا اتخذ العراق هذا الموقف الحاسم؟
تركيبة العراق المعقّدة تجعله عرضة للتداعيات المباشرة للحرب السورية، كما أنه يقع في منطقة وسط بين القوى المعنية بالملف السوري لاسيما أمريكا وإيران.. والأخطر بالتحديد هو خوف أصحاب القرار في بغداد من عودة التيارات الجهادية وتهديد الأمن والاستقرار العراقي.. وهو ما حدث فعلاً!.
صيف 2014، اخترقت مئات من سيارات الدفع الرباعي مُحمّلة بمقاتلي تنظيم الدولة الصحراء الممتدة بين سوريا والعراق، وسقطت مدن وبلدات سورية وعراقية في أيدي أصحاب «الرايات السوداء».. وأعلن التنظيم الجهادي «الخلافة الإسلامية» من جامع الموصل الكبير.
الخطر الداهم دفع العراق للاندماج مع سوريا إلى جانب روسيا وإيران في “غرفة عمليات عسكرية مشتركة”، كما قاتلت فصائل عراقية مسلحة إلى جانب الجيش السوري في مدن وبلدات سورية ضد داعش
بعد نحو 12 عاماً على الحرب جاءت النتائج كما تريد دمشق وبغداد.
عاد إخوة الفرات ليرسموا طريقاً جديداً لمستقبل مشترك سياسي واقتصادي وعسكري!.
وليعملوا معاً بمقولة الشاعر السوري بدوي الجبل: «ليس بين الشامِ والعراقِ حدٌ.. هدمَ اللهُ ما بنوا من حدودِ».
شاهد أيضاً: معركة شرق الفرات.. من الرابح الأكبر؟!