سوريا ووعود القمة التي بقيت في جدة.. ماذا عن التحرك العربي ؟!
بعد أشهر من عودة دمشق إلى قبة الجامعة العربية، لا تزال المنعكسات المنتظرة من العودة العربية حبيسة الأدراج، إذ لم يأتي الانفتاح العربي على سوريا حتى اللحظة الإيجابيات المرجوة منه، إذ بقيت الوعود بمساعدة البلد المنكوب من أزمته، والبدء بتخفيف الأثقال عن كاهله، والمساهمة في إعادة إعماره، تصريحات قابعة على مقاعد الجامعة العربية.
ويمكن القول إن “عام الانفتاح العربي”، هو نفسه العام الأكثر صعوبة على المستوى الاقتصادي. فمع الأخذ في الاعتبار معدّل التضخم في سوريا، فإن مشروع ميزانية عام 2023، بلغت قيمته نحو 3.6 مليارات دولار، مقارنة بـ5.3 مليارات دولار في عام 2022، و6.8 مليارات دولار في عام 2021.
وقال محللون، وفق المعطيات السابقة فإنه على الرغم من تعدّد العوامل المساهمة في غير صالح السوريين، إلا أن العامل الأكثر تأثيراً، يظلّ تمكّن “العصا الأمريكية الغليظة”، بفعل العقوبات المتعدّدة الأوجه المفروضة على سوريا، والتحذيرات العلنية، والتهديدات الخفيّة، من إحباط أي نوايا كانت لدى دول عربية لتقديم مساعدات حقيقية لدمشق.
وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر سورية مطّلعة، لوسائل إعلام عربية، أن “كل الوعود الإماراتية والسعودية بمساعدة سوريا، وتفعيل الاستثمار فيها على عدة مستويات، بقيت كلمات على الألسن، وحبراً على الورق، ولم يُترجم أي منها على أرض الواقع”.
وتضيف المصادر أن “القيادة السورية ل تحمّل واشنطن مسؤولية تجويع السوريين”، لكن مسؤولية الولايات المتحدة هذه، لا تُعفي دولاً عربية، كالإمارات والسعودية، من مسؤولية الإخلال بوعودها للقيادة السورية، بأن ينعكس الانفتاح السياسي مساعدات واستثمارات خليجية، خصوصاً أن البلاد تعيش هذه الأيام استقراراً أمنياً نسبياً، بحسب المصادر السورية.
تابعونا عبر فيسبوك
وفي الإطار نفسه، تكشف مصادر دبلوماسية عربية أن “المسؤولين الإماراتيين وعدوا نظراءهم السوريين بضخّ أموال واستثمارات في البلاد، بعد عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، وقلّلوا من قدرة العقوبات الأمريكية على منع ذلك”.
لكن مع مرور الوقت “تبيّن أن العقوبات الأمريكية، والتحذيرات التي وجّهها الأمريكيون إلى المسؤولين الإماراتيين والسعوديين وغيرهم، تمكّنت بالفعل من إحباط أي محاولات استثمارية جديدة في سوريا”.
كما تفيد مصادر سورية بأن “ثمّة مشاريع استثمارية إماراتية موجودة بالفعل في سوريا، لكن العمل مجمّد فيها، بذريعة الأوضاع الأمنية غير المستقرّة، إلا أنها لم تُلغ”، وهو ما يؤشّر ربّما إلى توفّر “إرادة إماراتية بتفعيل الاستثمارات، لكن ما يحول دون ذلك هو واقع العقوبات الأمريكية”.
وأكدت مصادر إماراتية وعربية أن العديد من الاتفاقيات «لم ينطلق العمل بها أبداً، لأن الشركات الإماراتية تلقّت تحذيرات أمريكية مباشرة، بوضعها على لائحة العقوبات في حال مضت بأي مشروع”.
وبناءً على ما سبق، وفي ظلّ الإصرار الأمريكي والغربي على منع أي انفتاح جدّي على دمشق، وقرْن ذلك بتنازلات سياسية واضحة من القيادة السورية، وجدت الأخيرة نفسها أمام خيارات محدودة، لا تخرج عن قدرات حلفائها التقليديين، في طهران وموسكو.
تابعونا عبر فيسبوك
لكن بالنسبة إلى روسيا، فقد بدا واضحاً تراجع الاهتمام كما يراه البعض، أو القدرة كما يراها البعض الآخر، بالملف السوري، وخصوصاً لناحية الاقتصاد والاستثمار والبناء والإعمار، في ظلّ الحرب في أوكرانيا، بحسب المحللين.
وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر دبلوماسية مطّلعة أن “الروس أيضاً لم يفوا بوعودهم للحكومة السورية على المستوى الاقتصادي، بينما يحافظون على حدّ مقبول من الدعم العسكري، وحدّ مرتفع من الدعم السياسي”.
وتكشف المصادر أن “الرئيسين السوري والروسي اتفقا خلال لقائهما في موسكو في آذار الفائت، على خطوات لدعم سوريا على المستوى الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يُنفّذ حتى اليوم، فيما من الواضح أن الحرب في أوكرانيا، وآثارها الاقتصادية العميقة، أثّرت على قدرة الدولة والشركات الروسية على الاستثمار في الخارج، وعلى حركة رأس المال الروسي”.
وحسب الصحيفة فأما من جهة إيران، فهي “مستمرّة في دعمها سوريا على مستويات مختلفة، علماً أنها – منذ سنوات – تمدّ من دون انقطاع، البلاد بحاجاتها من المشتقات النفطية المختلفة”.
وانطلاقاً من هذا الواقع، بدا ضرورياً إشراك طرف جديد في “شبكة دعم سوريا”، ليس هو إلا العراق، الصديق لسوريا وإيران، والجار لهما، والذي تربطه بهما حكماً مصالح سياسية وأمنية واقتصادية.
وبناءً على ذلك، كانت زيارة رئيس الحكومة العراقي، محمد شياع السوداني، الأخيرة لدمشق، لتعلن صراحةً رفع التنسيق والتعاون بين البلدين إلى مستوى جديد، على مختلف الأصعدة، وبشكل خاصّ على الصعيد الاقتصادي.
وينطلق السوداني في خطوته هذه، من محدّدين اثنين: الأول، هو أن سوريا عادت إلى الجامعة العربية، وعلاقاتها مع دول الخليج باتت مقبولة وفي تحسّن، وبالتالي لم يعد يشكّل التحرّك العراقي تجاهها خرقاً لما يسمّى الإجماع العربي، بل على العكس من ذلك، هو يحظى بتغطية وربما دعم بعض الحكومات العربية.
أما المحدّد الثاني، فهو حيازة العراق نوعاً من “الاستثناءات الأمريكية” من العقوبات المفروضة على إيران في تعاملهم مع الأخيرة، والتي يؤمّل أن تنسحب على تعاملهم مع سوريا.
شاهد أيضاً : بـ”إف – 35″.. أمريكا تتجاوز الخطوط الحمراء الروسية في سوريا ؟!