آخر الاخباررئيسيسياسة

سوريا.. على درب الحرير

خريف 2011.. استخدمت الصين لأول مرة حق النقض «الفيتو» لإحباط مشروع قرار غربي في مجلس الأمن ضد سوريا.

كانت تلك المرة الأولى التي تتخلى فيها بكين عن سياسة «النأي بالنفس» تجاه الأزمات الواقعة خارج فضائها الجيوسياسي المباشر.

قيل حينها إن المؤرخين سيكتبون غداً أن «ولادة التحول التاريخي في سياسة الصين الخارجية انطلقت من دمشق»!.

يروي باحث عربي أنه زار الصين عام 2000، وفي أحد الأيام فتح بعض الباحثين الصينيين نقاشاً حول سوريا، فقالوا له حرفياً «نحن نخشى على سوريا».

حين سألهم الباحث العربي عن السبب قالوا «إن سقوط الاتحاد السوفياتي أفقد سوريا حليفاً استراتيجياً، والعراق المجرد من سلاحه لم يعد جناحاً للجبهة الشرقية على النحو الذي كانت تنشده دمشق».

وقتذاك، قبل أكثر من 20 عاماً، كان تطوّر مسار العلاقات بين الصين وسوريا «ما زال قصيراً في حسابات الزمن»، خاصة أن بكين كانت في مرحلة «ترتيب بيتها الداخلي» بحسب الباحثين الصينيين.

العلاقات بين دمشق وبكين حتى ذلك التاريخ لم ترقى للمستوى المطلوب، رغم أن سوريا كانت ثاني دولة عربية بعد مصر أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين عام 1956، ورغم أن سوريا كانت إحدى الدول التي قدمت مشروع قرار إعادة الصين إلى مقعدها في الأمم المتحدة عام 1971.

يقال إن خلاف الصين طويل الأمد مع الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه حال دون تطوّر علاقاتها التاريخية مع سوريا!.

 

فما الذي حدث لاحقاً؟

حزيران 2004.. زار الرئيس السوري بشار الأسد الصين ووقع سلسلة اتفاقيات أسست لدور صيني نشط في سوريا.

عام 2010 أصبحت الصين ثاني أكبر مصدّر لسوريا، وبلغ حجم التبادل التجاري 2.5 مليار دولار.

جاءت أحداث 2011 لتغيّر سلوك بكين تجاه سوريا التي اعتبرها الباحثون الصينيون «رصيد الصين الاستراتيجي في الشرق الأوسط».

يقال إنه في اللغة الصينية تتكون كلمة «كارثة» من حرفين: الأول يمثل الخطر والآخر يمثل الفرصة.. فهل حولت بكيّن الكارثة في سوريا إلى فرصة لها؟.

أبقت الصين على سفارتها مفتوحة في دمشق، واستخدمت حق الفيتو 10 مرات في مجلس الأمن الدولي ضد مشروعات القرار المتعلقة بسوريا.

صيف 2021 قام وزير الخارجية الصيني بزيارة دمشق، كانت تلك أول زيارة يقوم بها مسؤول صيني كبير إلى سوريا منذ العام 2011.

اللافت أكثر أنها جاءت يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا، ليكون بذلك الوزير الصيني أول المهنئين للرئيس الأسد بفوزه في تلك الانتخابات.

كثيرون اعتبروا أن تزامن تلك الزيارة مع نتائج الانتخابات لم يكن من قبيل المصادفة، بل مدروساً ويحمل رسائل سياسية مهمة لواشنطن، بعد أن بدأت بكين تزاحمها في مناطق عديدة من العالم.. وسوريا ليست استثناء!.

بداية عام 2022.. وقعت بكين ودمشق مذكرة تفاهم للانضمام رسمياً لمبادرة الصين الكبرى «الحزام والطريق».

رغم كل ذلك، بقي الدعم الصيني الخطابي والدبلوماسي لسوريا محسوباً ورمزياً في معظم الأحيان، تماماً كمساعداتها الإنسانية خلال الحرب!.

يقال إن الغموض الكبير ودبلوماسية الغرف المغلقة التي تنتهجها دمشق وبكين، يجعل من الصعب قراءة المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين الدولتين.

اليوم.. ومع الإعلان عن أول زيارة رسمية للأسد إلى الصين منذ 2004، يسأل كثيرون: هل تصل العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»؟.

في الصين هناك مستوى من العلاقات الدبلوماسية يسمى «شراكة استراتيجية قادرة على الصمود».. هذا هو المستوى الأعلى في العلاقات الدبلوماسية الصينية مع دول العالم، وتحظى به 4 دول فقط هي: روسيا وبيلاروسيا وباكستان وفنزويلا.. فهل تجعل زيارة الأسد من سوريا الدولة الخامسة؟.

تقول حكمة صينية: «أفضل وقت لزراعة شجرة كان منذ 20 سنة، أما ثاني أفضل وقت للزراعة فهو الآن»!.

شاهد أيضاً: صحيفة أمريكية تعلق على زيارة الرئيس الأسد لـ”الصين”

زر الذهاب إلى الأعلى