عشر أزمات عالمية في العام 2024 !
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاُ للكاتب روبي جرامر، يُقدّم فيه بعض التوقعات حيال ما سيحدث في العام 2024، بناء على مقابلات أجريت على مدى الأسابيع والأشهر القليلة الماضية مع العشرات من صنّاع القرار، وصنّاع القوانين في البرلمانات، وخبراء السياسة الخارجية، آملا أن تكون أغلب التوقعات خاطئة.
بداية، وبكل المقاييس، كان عام 2023 عاماُ مجنوناُ. إذّ كانت هناك حادثة منطاد التجسس الصيني، ووفاة رئيس مجموعة “فاغنر” الروسية يفجينى بريجوجين بشكل مفاجئ، والحرب في غــزة التي هزّت الشرق الأوسط المهتز بالفعل، واستمرار الحرب في أوكرانيا، والصراع المرير في السودان، والهجوم الذى شنّته أذربيجان على أرمينيا بشأن منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها.
وبالتطلع إلى عام 2024، هناك الكثير من الأحداث فى العالم المتعلقة بالأمن القومي، ثم هناك الانتخابات فى تايوان، الهند، الاتحاد الأوروبى، المكسيك، جنوب أفريقيا، إندونيسيا، ولا ننسى الولايات المتحدة. فى السطور التالية، يقدم كاتب المقال “روبي جرامر” بعض التوقعات لما يمكن أن يحدث فى عام 2024، قد يتحقق بعضها، وقد لا يتحقق البعض الآخر. ولكن فى كل الأحوال، ينتظرنا مستقبل قريب مخيف.
أولاً، لنبدأ بالتوقع السهل: “نتائج الانتخابات الأمريكية. ماذا سيحدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ نتوقع أنه بعد مباراة العودة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، سيحقق الأول فوزاً بفارق ضئيل لولاية ثانية، مع صراخ الثاني حول “الأصوات المسروقة”.
ومن ناحية أخرى، نتوقع أن يستعيد الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس الشيوخ بفارق مقعدين أو ثلاثة مقاعد، وسوف يكتسب الحزب الديموقراطي سيطرة ضيقة على مجلس النواب بأقل من 10 مقاعد، مما يمهد الساحة لصداع سياسي معقد وفوضوي.
ثانياً، فشلت الجهود الأمريكية لاستئناف أي حوار حقيقي مع بيونج يانج، وفى الوقت نفسه يعمل الزعيم الكورى الشمالى، كيم جونج أون، ببطء ولكن بثبات على توسيع قدرات بلاده النووية والصاروخية الباليستية على الرغم من العقوبات الدولية القاسية.
كوريا الشمالية أجرت ست تجارب نووية متفجرة بين عامى 2006 و2017، ونتوقع أن يكون عام 2024 هو العام الذى ستحقق فيه التجربة السابعة، مما سيشكل أزمة دبلوماسية كبرى فى شبه الجزيرة الكورية تُذكّرنا بأن عقودا من الضغوط الأمريكية لحمل بيونج يانج على الاستسلام والتخلى عن سعيها للحصول على القنبلة قد باءت جميعها بالفشل.
ثالثاً، وقعت ستة انقلابات فى غرب أفريقيا فى السنوات الأخيرة نتيجة استسلام الديموقراطيات الهشة لانقلابات العسكر وسط حرب ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية التى تكتسب المزيد من الأرض فى جميع أنحاء منطقة الساحل.
علّقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وتحديدا فرنسا، معظم آمالهم على النيجر باعتبارها أفضل أمل لهم فى الحصول على معقل للديموقراطية والاستقرار للمشاركة فى عمليات مكافحة الإرهــ.اب، إلى أن سقطت النيجر فى مستنقع انقلاب فى تموز/يوليو الماضى.
ونتوقع أن السقوط التالى سيكون تشاد، الشريك التالى “آخر أفضل أمل” للغرب فى مكافحة الإرهاب فى المنطقة. استولى زعيم تشاد، محمد إدريس ديبى، نجل الزعيم التشادى الراحل إدريس ديبى، على السلطة بعد وفاة والده عام 2021 فى ما يشبه الانقلاب.
والآن، أصبحت قبضته على السلطة هشة، وليس من الواضح ما إذا كان يستطيع التغلب على احتمالات الهروب من انقلاب آخر في حزام الانقلابات في أفريقيا.
رابعاً، سيتم الإطاحة بالقائد العسكري السوداني، عبدالفتاح البرهان. الصراع في السودان اتخذ منعطفا قاتما في الأسابيع الأخيرة، حتى لو طغت الحرب في غــزة على الاهتمام العالمي، وبمناسبة الحديث عن الانقلابات، نتوقع أن يتم الإطاحة بعبدالفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية والرئيس الفعلي للبلاد، على يد عناصر من جيشه بعد نكسات وهزائم محرجة أمام قوات الدعم السريع المنافسة بزعامة محمد دقلو “حميدتي”.
وفى الآونة الأخيرة، سقطت مدينة “ود مدنى”، التي كانت ذات يوم معقلا مستقرا نسبيا للسلام والعمليات الإنسانية، بسرعة في أيدى قوات الدعم السريع في ضربة قوية للقوات المسلحة السودانية.
وبغض النظر عن احتمالات بقاء البرهان في السلطة، فقد أصبح السودان واحدا من أسوأ الأزمات الإنسانية (والأكثر تجاهلا بشكل مأساوي) في العالم، ومن غير المرجح أن يتغير هذا في عام 2024.
خامساً، الطريق سيكون مسدوداً في أوكرانيا، ويرجع السبب ــ جزئياً ــ إلى الدعم البطيء من الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين. كلنا يعلم أنه لم يكن لدى أوكرانيا ما يكفى من الأسلحة أو المعدات أو الذخيرة لإحداث ثغرة في الخطوط الدفاعية الروسية المحصنة جيداً في شرق أوكرانيا خلال هجومها المضاد عام 2023، لكن أيضاً القوات الروسية لا تمتلك القدرة أو الروح المعنوية أو التدريب أو البراعة القتالية الفعالة لتحقيق مكاسب كبيرة في أي هجمات مضادة خاصة بها. لذا، نتوقع أن يبدو عام 2024 مشابهاً إلى حد كبير لمعارك الحرب العالمية الأولى الدموية في عامي 1915 و1916، مع قصف المواقع الراسخة بالمدفعية الثقيلة، ومعارك أكثر دموية لا تسفر عن مكاسب إقليمية تذكر، ولن تظهر هزيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلا بالقدر الضئيل إلى جانب ارتفاع حصيلة القتلى من الجانبين.
تابعنا عبر فيسبوك
سادساً، نتوقع أيضاً ضخ المزيد من الأموال لأوكرانيا، فمنذ أن شنت روسيا غزوها، ظل المسئولون الغربيون يتصارعون بشأن ما يجب فعله تجاه الأصول التي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار من الأوليجارشين الروس ــ رجال أعمال حققوا ثروات طائلة في الجمهوريات السوفيتية بعد تفككها خلال حقبة التسعينيات، دعت بعض الدول إلى مصادرة تلك الأموال وإرسالها إلى أوكرانيا، في حين تشعر دول أخرى بالقلق لأنها سابقة لا مثيل لها في حماية الأصول السيادية في نظر القانون الدولي، حتى إذا تعلق الأمر بروسيا.
ومن ثم، نتوقع أن يكون عام 2024 هو العام الذى يتم فيه تحقيق إنفراجة في هذا الموضوع الذى استمر لمدة عامين تقريباً، وأن تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون طريقا قانونياً لتحويل كل تلك الأموال المجمدة إلى أوكرانيا، خاصة بعد أن تسببت الأموال الأمريكية المخصصة لأوكرانيا في معركة سياسية شائكة بالكونجرس، كما تم حظر المزيد من أموال الاتحاد الأوروبي من قبل حليف فلاديمير بوتين في الاتحاد الأوروبي، وهو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
سابعاً، لن تتوسع الحرب في غزة إلى جبهة ثانية كاملة.. فأحد أكبر المخاوف في الحرب الدائرة بين غــزة الآن هو أن حليف “حمــ.اس” ــ الأفضل تجهيزاً والأكثر صلابة في القتال بلبنان ــ حزب الله، سوف يغوص بالكامل في الحرب ضد إسرائيل. إلا أننا نتوقع أنه حتى لو كانت “إسرائيل” وحزب الله يتبادلان ضربات محدودة على الحدود الشمالية، فإن هذا لن يحدث، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى التأثير الرادع لوجود حاملة الطائرات الأمريكية المستمر في البحر الأبيض المتوسط، وكل القوة النارية الساحقة التي تأتى معه. الأمر الذى سيجعل حزب الله وداعميه في إيران يمتنعون عن التعمق في القتال.
ثامناً، مناورات أكثر خطورة في بحر الصين الجنوبي الذى أنفقت الصين عقداً من الزمان في بناء جزر اصطناعية به، ومطارات حقيقية، الأمر الذى يشكل مصدر رعب للجميع في المنطقة. أما مضيق تايوان فسيكون على نار هادئة خاصة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان عام 2022، والتي دفعت أو ربما تزامنت مع مجموعة من التدريبات الصينية.
تاسعاً، بعد الحرب في أوكرانيا عام 2022، سارعت فنلندا والسويد إلى تجاهل تاريخ عدم الانحياز والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وقد رحبت دول الناتو بالأمرين بأذرع مفتوحة، أو على الأقل فعلت معظمها ذلك. انضمت فنلندا، أما السويد فلا، بسبب مماطلة تركيا لمدة 18 شهراً، إذ يتعين على كل دول حلف شمال الأطلسى أن تعطى الضوء الأخضر لانضمام عضو جديد. كما ماطلت المجر، التى يديرها حليف روسيا كما ذكرنا أعلاه، فى انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسى أيضاً. بل وربط الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، انضمام السويد بصفقة أمريكية للموافقة على مبيعات طائرات مقاتلة من طراز إف ــ 16 إلى تركيا، وبرغم أن الكونجرس غاضب من رجب طيب أردوغان لكنه يريد أيضاً انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسى فى أسرع وقت ممكن. وبناء عليه، نتوقع أن يعمل المفاوضون الأمريكيون والأتراك مع السويد للتغلب على هذا المأزق فى عام 2024، وأن يتوسع الناتو من 31 إلى 32 دولة عضو.
عاشراً، دعونا نختم بملاحظة سعيدة. لا تزال الملاريا السبب الرئيسى لوفيات الأطفال فى جميع أنحاء العالم، ولكن الإنجازات العلمية الحديثة أدت لأول مرة على الإطلاق إلى اختراع لقاحات الملاريا. هناك الآن لقاحان يتم توزيعهما ببطء فى البلدان المعرضة للإصابة بالأمراض فى أفريقيا.
في عام 2021، مات ما يقدر بنحو 619 ألف شخص بسبب الملاريا في أفريقيا، كثير منهم من الأطفال وبرغم أن نقص الإمدادات جعل من الصعب نشر هذه اللقاحات على نطاق واسع في عامي 2022 و2023، فإننا نتوقع أن يتمكن مجتمع الصحة العالمي من التغلب على هذه الاختناقات في عام 2024، وتحقيق تقدم حقيقي وملموس ويمكن أن يؤدي إلى تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية المتمثل في القضاء على الملاريا بحلول عام 2030.
شاهد أيضاً: بعد تلويح بوتين بـ”النووي”.. ما حقيقة الأسلحة المنتشرة في العاصمة الروسية ؟!