“تصفية” أم “تطهير”.. ما السر وراء الاعتقالات في الدفاع الروسية؟!
البداية كانت باعتقال نائب وزير الدفاع الروسي تلاه استدعاء رئيس مديرية الموظفين في الوزارة إلى المحكمة، وهذا الأسبوع توالت سلسة التوقيفات بعد توقيف مسؤولين عسكريين اثنين آخرين، والتهم الموجهة تتعلق بالفساد وسط إنكار شديد من جميع الموقوفين.
سلسلة الاعتقالات هذه بدأت غداة تنصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيساً لولاية خامسة، وفي أعقاب قراره بنقل حليفه، وزير الدفاع سيرغي شويغو، إلى منصب جديد.
وعلى الفور انهالت التساؤلات حول ما إذا كان بوتين يحاول استعادة السيطرة على وزارة الدفاع في خضم الحرب في أوكرانيا، أو حول ما إذ كانت هذه الحملة على صلة بمعركة نفوذ بين الجيش والأجهزة الأمنية، أو حول ما إذا كان سيناريو آخر يحاك في كواليس الكرملين وخلف جدرانه.
لا ريب في أن فضائح الفساد ليست بجديدة. فعلى مر عقود من الزمن، وجهت أصابع الاتهام إلى كبار المسؤولين على خلفية استغلالهم لمناصبهم.
تابعونا عبر فيسبوك
من جهته، قال المتخصص الأمني مارك غاليوتي مؤخراً، إن ما يريده بوتين هو أن يكون لدى الجميع “عار مستور”، مضيفاً أنه في حال كانت الدولة تمتلك معلومات فاضحة عن كبار المسؤولين، فبإمكانها اختيار من تستهدفه منهم.
أما نايجل غولد ديفيس، وهو باحث بارز في “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” في لندن، فأكد أن الفساد “هو جوهر النظام، ومن ثم، فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تضخيم الإنفاق على الدفاع، وهو ما زاد من فرص استغلال النفوذ والكسب غير المشروع”.
وكان نائب وزير الدفاع السابق تيمور إيفانوف أول مسؤول يعتقل في نيسان والأعلى رتبة حتى الآن، حيث كان يشرف على مشاريع بناء كبيرة ذات صلة بالجيش، وكانت لديه القدرة على الوصول إلى مبالغ مالية طائلة. وقد شملت المشاريع التي أشرف عليها، إعادة بناء أجزاء من مدينة “ماريوبول” الساحلية المدمرة.
وفي هذا الإطار، زعم أعضاء الفريق الذي ترأسه زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني أن إيفانوف، البالغ من العمر 48 سنة، وأفراد عائلته، “امتلكوا عقارات فاخرة واستمتعوا بحفلات باذخة وأقاموا رحلات إلى الخارج، حتى بعد اندلاع الحرب. كما ادعوا أن زوجة إيفانوف، سفيتلانا، قد طلقته في عام 2022 لتتجنب العقوبات وتواصل نمط حياتها المترف”.
ويوم الخميس، أكد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس بوتين، على أن الاعتقالات الأخيرة ليست “حملة” ضد الفساد، إنما تعكس الأنشطة والتحركات المستمرة حالياً داخل “جميع الدوائر الحكومية”.
وفي نيسان الماضي، ذكرت “لجنة التحقيق”، وهي أعلى وكالة لإنفاذ القانون في روسيا، أن إيفانوف متهم بـ”تقاضي رشوة ضخمة للغاية”، فيما يعد جريمة جنائية عقوبتها السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً.
تابعونا عبر فيسبوك
ومنذ ذلك الحين، شملت الاعتقالات الأخرى بتهمة الرشوة الفريق يوري كوزنيتسوف، مسؤول الموارد البشرية في وزارة الدفاع، واللواء إيفان بوبوف، وهو عسكري مخضرم وقائد كبير سابق في أوكرانيا، والفريق فاديم شمارين، نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، علماً أن شمارين هو نائب رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف.
ويوم الخميس أيضاً، أفيد باعتقال مسؤول خامس في الوزارة هو فلاديمير فيرتليتسكي، الذي كان يتولى رئاسة مديرية المشتريات الدفاعية في الوزارة. وقد وجهت إليه تهمة “إساءة استخدام منصبه”، مما أسفر عن أضرار تزيد قيمتها على 70 مليون روبل، بحسب ما ذكرت “لجنة التحقيق”.
وكذلك، ذكرت تقارير روسية أن نائب رئيس مصلحة السجون الفيدرالية لمنطقة موسكو، فلاديمير تيلاييف، اعتقل هو التالي الخميس، بتهمة “تلقي رشى واسعة النطاق.”
على حد تعبير ريتشارد كونولي، المتخصص في الاقتصاد الروسي في معهد “رويال يونايتد سيرفيسيس” في لندن، تشير الاعتقالات إلى استشراء ظاهرة فساد “فظيعة للغاية” في وزارة الدفاع، وإلى قرار بعدم التسامح معها بعد الآن.
والحال أن بوتين، وبعد فترة قصيرة من تنصيبه، قرر التخلي عن شويغو كوزير للدفاع، واستبدله بخبير الاقتصاد أندريه بيلوسووف. وفي هذا الإطار، شرح بيسكوف أنه من الضروري أن تتماشى موازنة الدفاع الروسية المتزايدة مع اقتصاد البلاد الأوسع نطاقاً.
ومن جهته، أشار كونولي إلى احتمال أن يكون وزير الدفاع الجديد بيلوسووف قد عمد إلى التخلص من شركاء سلفه، موجهاً بذلك رسالة تفيد بأن “الأمور ستنجز بطريقة مختلفة”.
ولم يتضح بعد إن كان الكرملين أو أي جهاز للأمن الروسي، ولا سيما جهاز أمن الدولة “إف أس بي”، هو القوة الدافعة لهذه الاعتقالات.
فالاحتمال قائم بأن يكون عدد من المسؤولين غير المقربين من بوتين في خضم حرب نفوذ لا علاقة لها البتة بقرار تعيين وزير جديد للدفاع، بحسب ما أفادت به الـ”إندبندينت” البريطانية.
شاهد أيضاً : المسيرات تشعل ميدان الحرب الأوكرانية؟!