سِفْر الملالي والشياطين!
يحكي اليهود في أسفارهم أن أحد أعظم ملوك الفرس قبل الميلاد، ويدعى “قورش”، أرجعهم بعد السبي البابلي إلى أرضهم التي هُجروا منها، وردّ إليهم نفائسهم المنهوبة من ملوك بابل.. وصار “قورش” منذ ذلك الزمن السحيق بطلاً لديهم باعتباره محرر اليهود، حتى أن “إسرائيل” نقشت صورة هذا الملك الفارسي على عملة تذكارية، وأصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم “بيان قورش”!.
اليوم وبعد مرور نحو 2500 سنة على رواية إنقاذ “قورش” الفارسي لليهود، خرج من إيران الفارسية حكام جدد يريدون “الموت لإسرائيل”!.
عام 2015، وخلال زيارة نتنياهو للولايات المتحدة صرّح قائلاً: “بالنسبة للملالي الذين يحكمون طهران، فإن إسرائيل هي الشيطان الأصغر وأمريكا هي الشيطان الأكبر”.
نتنياهو قصد بحكم الملالي، حكام إيران بعد ثورة 1979 بقيادة الخميني التي أسقطت حكم الشاه، لأن ما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده!
قبل ثورة الخميني، ولثلاثين عاماً منذ قيام “إسرائيل” عام 1948، كانت الصداقة الوثيقة عنوان العلاقات بين طهران وتل أبيب.
آذار 1950.. اعترفت إيران تحت قيادة الشاه محمد رضا بهلوي بـ”إسرائيل”، لتكون ثاني دولة إسلامية بعد تركيا تقوم بهذه الخطوة، وشكلت مع “إسرائيل”ما وتركيا تحالفاً عرف بـ”تحالف ترايدنت”.
ازدهر التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بين طهران وتل أبيب، وساعدت «إسرائيل» بهلوي في إنشاء القوات المسلحة الإيرانية وتدريبها، فيما كان الشاه يقوم بدفع الثمن عن طريق شحن النفط الإيراني إلى الإسرائيليين.
كان الشاه موالياً للغرب في حقبة الحرب الباردة، ويرغب في التقرب من حلفاء أقوياء مرتبطين بواشنطن لمواجهة أي تطلعات أو مطامع سوفياتية، وكان يواجه خطر الحركات اليسارية الإيرانية الوطنية إلى جانب طبقة رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم آية الله الخميني الذي نفاه الشاه إلى تركيا عام 1963.
تقول دراسة لمعهد بروكنغز: إن “إسرائيل” في عهد بن غوريون حاولت مواجهة عداء الدول العربية من خلال ما يعرف بـ(العقيدة المحيطية)، التي تقضي بتشكيل تحالف مع حكومات غير عربية في الشرق الأوسط، مثل تركيا وإيران، وهما الدولتان اللتان كان لهما آنذاك توجه مشترك تجاه الغرب ولهم أسبابهم الخاصة للشعور بالعزلة في الشرق الأوسط!.
رغم أن الشاه رضا بهلوي كان ميالاً للغرب عموماً ولـ”إسرائيل” خصوصاً، إلا أن الجو الشعبي العام في إيران لم يكن كذلك!.
في نهائيات كأس آسيا على أرض إيران عام 1968، وخلال المباراة بين المنتخب الإيراني ونظيره الإسرائيلي، كانت مدرجات المشجعين الإيرانيين تصدح بالهتافات المعادية لـ”إسرائيل”.
تابعونا عبر فيسبوك
ثم جاءت ثورة الخميني عام 1979.. وتغيّر كل شيء!
ألغى حكام طهران الجديد كافة الاتفاقيات المبرمة مع “إسرائيل”، وأعلن الخميني بعد أسبوع واحد من إعلان انتصار الثورة تحويل مقر السفارة الإسرائيلية إلى سفارة لفلسطين، ثم أعلن عطلة سنوية جديدة هي “يوم القدس”.
لم تتخلص طهران بسهولة من آثار حقبة الشاه، واضطرت خلال حرب الخليج الأولى مع العراق إلى شراء أسلحة من أمريكا، بينما كان لـ”إسرائيل” دور كبير في نقل هذه الأسلحة إلى إيران.. وعرفت هذه الصفقة السرية بعد كشفها، بفضيحة “إيران كونترا”!.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان عداء إيران تجاه “إسرائيل” خطابياً إلى حد كبير.. لكن السنوات اللاحقة حملت تطورات كبيرة مع وقوف إيران على رجليها بعد حرب الخليج، فقامت بدعم حركات مقاومة لـ”إسرائيل” في المنطقة بالمال والسلاح.
في السابق، كانت إيران و”إسرائيل” منخرطتين في “حرب ظلّ” دامت سنوات، حيث هاجمت كل منهما أصول الأخرى دون الاعتراف بالمسؤولية، وتصاعدت المواجهات غير المباشرة بعد هجوم 7 أكتوبر.. ووصلت مؤخراً حدّ المواجهة المباشرة بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق في نيسان الماضي.
وهكذا فتح الطرفان الباب على مصراعيه أمام حرب إقليمية قد تندلع في أي لحظة!.
شاهد أيضاً: ترامب يقع بزلة لسان !