أوائل عام 2019، كتبت صحيفة «البعث» السورية كلمتها، بعنوان «الاتكاء على الدولة»، تحدثت فيه عن إخفاق تاريخي لـ«الدولة القطرية» في النهوض بمهامها، وعن تعوّد الناس على «دولة الرعاية»!.
طبعاً، ومع الإشارة إلى الفصل بين دور الدولـة من جهة، والحكومة من جهة ثانية في هذه المهام، أرجعت الصحيفة أهم أسباب الإخفاق إلى «تفكير أغلبية الأفراد بالحقوق، قبل الواجبات، بل على حسابها»!.
الناس، بحسب «البعث»، تعوّدوا على «دولة الرعاية» واستمر تأكيدهم على الرعاية على حساب المبادرات الفردية والاجتماعية الفاعلة وطنياً، ما انعكس سلباً على مَنَعة الدولة والمجتمع معاً!.
تقول الصحيفة إنه حتى الحكومة لطالما أثقلها الشعور بأنها نتاج «دولـة الرعاية» التي يتطلع إليها المهمّشون، أو الذين يضعون أنفسهم طوعاً على الهامش!.
إذاً المشكلة قبل كل شيء تكمن في وعي الشعب، حسب الصحيفة، واستمرار اتكائه على الدولة، «دولة الرعاية»!
في تلك الفترة كانت الحكومة تصرّح عن دراسات لرفع الدعم، وفي موازنة 2020 ظهر ذلك واضحاً، بانخفاض الدعم المالي الاجتماعي إلى 373 مليار، بينما كان 811 مليار في موازنة 2019.
ومنذ ذلك الوقت، انتقل الحديث الرسمي – الحكومي والإعلامي الحكومي – من تمجيد الدعم في سوريا لعقود، و«ضرب المواطن بمنيّة»، إلى اعتباره فكرة فاشلة، تسبب هدراً للمال، يجب استبدالها.
3 سنوات منذ بدأت «دولـة الرعاية» سياسة رفع الدعم، على اعتبارها سياسة فاشلة، حتى وصل الأمر حدّ استبعاد أكثر من نصف مليون أسرة سورية من الدعم.
ماذا كان المقابل؟ أين تذهب الأموال الموفرة من رفع الدعم؟ أموال عملية «الإجهاز على دولة الرعاية»؟!.
ماهي «دولة الرعاية»؟
مفهوم دولة الرعاية يعبر عن «توفير الـدولة الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية لأفراد المجتمع جميعاً، بما يحفظ الحد الأدنى من كرامتهم طوال حياتهم».
وفق هذا المفهوم تسعى الـدولة لتقليص التفاوت الطبقي وحماية الطبقة الوسطى قدر المستطاع، و«مساعدة الأقل حظاً في المجتمع».
تابعونا عبر فيسبوك
لا يمكن إهمال الحرب الدائرة منذ 10 سنوات كسبب في تدني مستوى المعيشة، لكن ماذا قدمت الحكومات المتعاقبة في سوريا لتخفيف آثار الحرب، لقد أنتجت السياسات الاقتصادية نتائج أكثر كارثية من الحرب نفسها.
هل بقي طبقة وسطى في سوريا؟ وهل تساعد الحـكومة الناس «الأقل حظاً» أم إنها تزيد من سوء حظهم؟ ومن المستفيد أكثر؟ أليس أصحاب الحظوظ العالية: التجار والمتنفذون والأثرياء؟.
هنا يزداد الفقير فقراً ويزداد الثري ثراءً، فهل إفقار النسبة الأكبر من المواطنين يضر بالمواطنين فقط؟
التجارب تقول إن اقتصاد الدولة كاملاً يتضرر بتوسع التفاوت الطبقي، فمع ضعف القوة الشرائية للطبقة الوسطى والدنيا، يضعف الطلب والاستهلاك، وينتج انكماش اقتصادي.
لم تنتج سياسة رفع الدعم في الدول النامية، أمثال سوريا، وخصخصة الخدمات الأساسية سوى زيادة تردي الخدمات وزيادة الفقر والبطالة، وسطوة حيتان المال القلائل على الأغلبية المسحوقة!
وبما أن «الاتكاء على دولـة الرعاية» مضرّ بصحة المجتمع الذي لا يعرف سوى حقوقه، وينسى واجباته، هل تتجه سوريا نحو الإجهاز على الخدمات التعليمية والصحية أيضاً، أو بالأحرى على ما تبقى من هذه الخدمات؟!
شاهد أيضاً: «الخبز لا يزال خطاً أحمراً لكن بمفهوم جديد»!.. عرنوس يبرر رفع «الدعم»