من الحطب إلى الدعارة.. هل تدفع أوروبا ثمن الحرب الأمريكية؟
“لو هاجمت روسيا أوكرانيا في عام 2014 لانتصرت روسيا بسهولة ولن يكون حلف الناتو قادراً على فعل شيء، ولكن بفضل اتفاقيات مينسك فإن أوكرانيا أصبحت قوّية بسبب منحها الوقت الكافي للاستعداد وللحلفاء بمساعدتها” بهذه الكلمات اعترفت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلاً ميركل بأن أوروبا عملت لـ8 سنوات كاملة بإغراق أوكرانيا بالسلاح من أجل مواجهة روسيا الحتمية.
عام 2014 وصل الصراع بين روسيا والناتو إلى ذروته، عندما رعت أمريكا والاتحاد الأوروبي انقلاباً في أوكرانيا، حيث سعى الناتو إلى نشر أسلحة استراتيجية قرب الحدود الروسية في انتهاك صارخ للاتفاقات الموقعة بين الجانبين.
الغضب الروسي لجمته أوروبا باتفاق “مينسك” الذي وقعّت عليه روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا، والذي يقضي بوقف شامل لإطلاق النار وعودة الهدوء إلى الجبهات الروسية الأوكرانية، وعدم نشر الناتو لأسلحة استراتيجية في أوكرانيا، لكن الاتفاق لم يكن إلا مجرد غطاء للخطة الأمريكية – الأوروبية ضد روسيا.
تقول المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل: “لقد جمدنا الصراع باتفاقيات مينسك حتى تصبح أوكرانيا أقوى وتكون مستعدة للصراع القادم”.
المستشارة كشفت أن أوروبا مدّت أوكرانيا بالسلاح لأعوام من أجل الحرب ضد روسيا، وهذا ما ينفي جميع التصريحات الغربية والأوروبية في الوقت الحالي التي تقول إن بوتين هو من بدأ الحرب ضد أوكرانيا، فالحرب بدأت عام 2014 عند توقيع اتفاقية مينسك وليس في شباط الماضي.
هذه الحرب أعلنها الناتو عام 2014 ضد روسيا، فما كان من أوروبا إلا أن سارت في نفس المركب الأمريكي، ودخلت في مواجهة شاملة مع روسيا، كلّفتها على مدار السنوات والأشهر الماضية الكثير على المستوى العسكري والاقتصادي والمعيشي.
تابعونا عبر فيسبوك
مع بداية الحرب في أوكرانيا بدأت النتائج الاقتصادية تظهر سريعاً في الداخل الأوروبي، ارتفاع قياسي في معدلات التضخم، عجز عن تأمين مصادر بديلة للطاقة الروسية، ارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة، وتحذيرات من شتاءٍ قاسٍ دون تدفئة أو كهرباء.
الحكومات لجأت إلى إجراءات تقشفية غير مسبوقة للتخفيف من هول الكارثة القادمة، عبر رفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وفرض الضرائب على الشركات والمؤسسات وحتى الأفراد، وفرض التقنين الكهربائي وإلغاء التدفئة في الأماكن العامة، دون أن تنجح أوروبا في مواجهة المشكلة، أو إيجاد مصدر بديل للغاز الروسي.
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت تظهر معالمها في أوروبا، كانت أوكرانيا تطالب باستمرار بمزيد من الدعم المالي والعسكري، وكانت أمريكا تضغط أيضأً على أوروبا لتلبية الطلب الأوكراني.
مليارات الدولارات وشحنات ضخمة من الأسلحة والذخيرة من أوروبا إلى أوكرانيا، كانت كفيلة بضرب المسمار الأخير في نعش الاقتصاد الأوروبي.
شراء الغاز من روسيا كان يعني تمويلاً غير مباشراً للحرب في أوكرانيا، وهنا بيت القصيد، حيث طالبت أمريكا باستمرار بإيقاف شراء الغاز الروسي، لكن أوروبا كانت تعلم أن البديل هو الغاز الأمريكي الذي يبلغ سعره 4 أضعاف الغاز الروسي فكان الرفض الأوروبي مُطلقاً، وحينها جاءت الحادثة المفصلية، عندما تم تفجير خطوط غاز نورد ستريم الروسية المغذية لأوروبا من جهات مجهولة، فكان اللجوء إلى الغاز الأمريكي حتمياً.
لجوء أوروبا إلى الغاز الأمريكي بسعر مضاعف 4 مرات كان يعني الهلاك للاقتصاد الأوروبي، فكل إجراء تقشفي وكل ضريبة جديدة وكل سعر مضاعف تدفعه الحكومات الأوروبية، كان ينعكس بشكلٍ مباشر على الشعوب في أوروبا، والتي طالبت منذ بداية الحرب بعد الانجرار وراء أمريكا في حربها ضد روسيا.
المعاناة الحقيقية بدأت تظهر جلياً في أوروبا، فالأسر الأوروبية بدأت تستخدم الحطب والفحم للطبخ والتدفئة، وذلك بسبب عدم توفر الغاز والكهرباء أو عدم تحمل الأسر للأسعار المرتفعة، كما تتخطى تكلفة الوقود 10 % من صافي دخل الأسرة، فيما قفزت أسعار الكهرباء إلى الضعف خلال الشهرين الماضيين فقط، بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار الغاز.
موقع التلفزيون الألماني نشر تقريراً موسعاً حول أزمة الطاقة في البلاد، وأكد أن الألمان يسرقون كميات كبيرة من الأخشاب من الغابات الألمانية، لاستخدامه في الطبخ والتدفئة، نظراً لعدم قدرتهم على دفع الأسعار الخيالية لمصادر للطاقة.
فيما بدأت وسائل إعلامية تتحدث عن مصطلح «نهضة الحطب والفحم»، في إشارة إلى ازدهار تجارة الحطب والفحم خلال الآونة الأخيرة داخل أوروبا مع لجوء الأوروبيين لهذا المواد للتدفئة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في بلدانهم.
المشكلة لم تقف عند هذا الحد حيث كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن لجوء الأمهات البريطانيات إلى «الدعارة» من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.
معدل التضخم في بريطانيا وصل إلى نسبة 11%، مع احتمال دخول الاقتصاد البريطاني في ركود طويل الأمد، مما يعزز أزمة تكلفة المعيشة على الأسر البريطانية، وهذه الأوضاع الاقتصادية دفعت المتزوجات للجوء إلى «الدعارة»، والغالبية أجبروا على دخول هذا المجال نتيجة الظروف الاقتصادية، كما أنهن يعتبرن «الجنس» الطريقة الوحيدة لتغطية تكاليف المعيشة بحسب تقرير الصحيفة.
اليوم تحاول الولايات المتحدة الأمريكية بجميع الطرق المتاحة شيطنة روسيا في المعركة السياسية والعسكرية والاقتصادية القائمة، كما تضغط على أوروبا لفرض مزيدٍ من العقوبات على موسكو، وبينما تجني واشنطن المليارات من مبيعات الغاز الأمريكي إلى أوروبا بأسعار مضاعفة، تقبع الشعوب الأوروبية تحت رحمة إجراءات تقشفية غير مسبوقة، في حربٍ لم تكن طرفاً فيها، تلك الحرب التي اختارتها حكوماتها بناءً على الضغط الأمريكي، فإلى متى ستصمد أوروبا على هذه الحالة؟
شاهد أيضاً: هكذا رد بوتين على تقديم “باتريوت” لأوكرانيا.. ؟!