بولندا التي استقبلت اليوم آلاف اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من وطأة المعارك جراء العملية العسكرية الروسية في بلدهم برحابة صدر، هي نفسها التي منعت بالأمس مئات اللاجئين السوريين والعراقيين من عبور حدودها، واستخدم الجيش البولندي كل الطرق المتاحة من العبور!
في المقابل كانت وسائل الإعلام الغربية تدعم ما تقوم به بولندا للاجئين الأوكرانيين، وتروّج لهذه التصرفات الإنسانية، بينما التزمت الوسائل الإعلامية نفسها الصمت أمام معاناة اللاجئين السوريين والعراقيين القابعين تحت وطأة الأحوال الجوية الباردة عند الحدود البيلاروسية – البولندية.
ربما لأن «لديهم عيون زرقاء وشعر أشقر» ولأن «هنا ليس العراق أو سوريا إنه مكان متحضر نسبياً»، هكذا بررت المداخلات للمثقفين الغربيين على الوسائل الإعلامية في تغطيتها للحرب الأوكرانية.
تلك التغطيات التي شابها الكثير من التطرف والخروج عن المنطق، كونها تنظر إلى دول العالم الثالث بنظرة دونية، وتعتبر معاناة الشعوب في تلك الدول أمر طبيعي ومألوف، بينما المشاهد غير الطبيعية هي الحرب في الدول «المتحضرة»!
لم تكن المداخلات وحدها المتطرفة بل التصريحات الرسمية أيضاً، حيث يقول رئيس الوزراء البلغاري “كاريل بتكون”: “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، هم غربيون أذكياء ومثقفون، هذه ليست موجة لاجئين غير معروف ماضيهم، لا توجد دولة أوروبية تخاف منهم”.
تابعونا عبر فيسبوك
التعاطي الإعلامي الغربي مع الأزمة الأوكرانية كان مضطرباً، فالهجوم الروسي هو أول نزاع مسلح بأوروبا في عصر السوشال ميديا، والمقاطع المنتشرة تؤدي إلى إرباك الملايين حول العالم، بشأن حقيقة وكيفية تطور الأحداث على الأرض.
«اكذب اكذب حتى يصدقك الناس» ربما هو الأسلوب الذي تتعاطى به وسائل الإعلام الغربية مع الأزمة الأوكرانية، فهي لا تترك مجالاً لتبرير سياستها الإعلامية إلا وتفعله.
كما أن تلك الوسائل تبرر جميع العقوبات التي خرجت عن إطار السياسة والميدان، كما هو الحال في العقوبات الرياضية التي فرضت على الأندية والمنتخبات الروسية، خاصة وأن هذه الوسائل لطالما رفع شعار «فص الرياضة عن السياسة» في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط.
الحرب الأوكرانية أسقطت القناع عن الإعلام الغربي، وكشفت عن الوجه الحقيقي القائم على «ازدواجية المعايير» التي تتبعها الدول الغربية في تعاطيها مع الأزمات حول العالم، وهي تبحث أولاً وأخيراً عن تنفيذ سياستها الإعلامية المبنية على توجيهات سياسية.
إن جميع ما سبق لا يعني التعاطي بطريقة سلبية مع المعاناة الحاصلة في أوكرانيا، ولكن الحديث عن التعامل بطريقة مزدوجة مع الأزمات حول العالم، وضرورة أن ينظر الإعلام إلى الإنسانية ككل لا يتجزأ، وأن معاناة لاجئ سوري أو أفغاني أو عراقي أو فلسطيني، تساوي معاناة أي لاجئ أوكراني.
شاهد أيضاً: أولاد البطّة البيضاء وأولاد البطّة السوداء في حرب أوكرانيا