هل استنفر العالم أجهزته الاستخباراتية والعسكرية لنصرة المحتجين في درعا ؟!
وباءُ المناصب!
يحكى أن معاوية بن أبي سفيان توجّه إلى دار عثمان بن عفان، بعد أن استقر له المُلك في الشام، فلما وصل إلى باب الدار صاحت «عائشة بنت عثمان» وندبت أباها، فقال لها معاوية: «يا بنتَ أخي، إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعةً تحتها حِقد، فبِعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا».
في تلك الأيام، لم يكن معاوية يقاتل خصومه من أجل القصاص من قتلة الخليفة الثالث.. بل حمل قميص عثمان الملطخ بالدماء للوصول إلى السلطة فقط!.
هذه الرواية تختزل كثيراً مما نريد قوله حول حقيقة الصراعات السياسية في العالم عموماً، والعالم العربي خصوصاً.
وباءُ المناصب!
تقول الروائية الأمريكية «أوكتافيا بتلر»: «كل النضالات هي في الأساس صراعات على السلطة. من سيحكم؟ من سيقود؟ من وسيهيمن؟».
إذن الصراع السياسي باختصار هو منافسة خاصة بين البشر على السلطة أو المزايا!.
في العالم العربي يتخذ الصراع عناوين شتّى: قد تكون إسلامية: تحت شعارات «إقامة الشريعة» والعودة إلى زمن «السلف الصالح».
أو قد تكون قومية: تحت شعارات وحدوية وأخرى انفصالية، وقد تكون عرقية أو مذهبية: تحت شعار «اضطهاد أقلية» أو «تهميش أكثرية».
لكن في الواقع، يبقى كل ذلك مجرد صراع على السلطة بمغانمها السياسية والاقتصادية!
تقوم مثلاً إحدى جهات الصراع السياسي باستغلال مظلومية فئة اجتماعية أو طائفة دينية كأداة ضاربة ضد الطرف الآخر.. هذا ما يسمى «بالطائفية السياسية» وهي أخطر أوجه الصراع وأكثرها عنفاً ودموية، وغالباً ما تجرّ البلاد إلى حرب أهلية، كما حدث في لبنان خلال السبعينات والثمانينات.
هل تذكر حادثة حرق البوعزيزي لنفسه التي أشعلت ثورة ضد حكم بن علي في تونس؟
هل تعتقد أن زعيم حركة النهضة في تونس «راشد الغنوشي» سقط مغشياً عليه من الحزن على «البوعزيزي»؟
في السياسة تجعل هذه الحادثة من حزب معارض للسلطة يرقص طرباً، لأنها أعطته الفرصة للانقضاض على الخصم، ومطالبته بالتنحي عن الحكم بسبب مظلومية «البوعزيزي».
إذا كنت تعتبر هذا تهجماً ومبالغة سنروي لك هذه الحادثة: أواخر عام 2021 سكب أحد أتباع حركة النهضة التونسية ويدعى «سامي الصيفي» البنزين على نفسه داخل المقر المركزي للحزب، وأضرم النار في جسده بسبب تهميشه داخل حزب الغنوشي.. وصار لقبه «بوعزيزي النهضة»، فلماذا لم يتنحى الغنوشي عن قيادة الحزب أو تم حلّ هذا الحزب الظالم؟!.
أهداف الصراع السياسي بين أبناء البلد الواحد، لا تختلف عن أهداف الصراع السياسي بين الدول.
هل تعتقد مثلاً أن أمريكا وتركيا والسعودية ودول أخرى استنفروا كل أجهزتهم السياسية والاستخباراتية والعسكرية عام 2011 لنصرة المحتجين في درعا؟!.
إنه الصراع على النفوذ.. وكانت أحداث درعا الفرصة التي قد لا تتكرر بالنسبة لأمريكا وحلفائها!.
باختصار.. إذا كان معروفاً أن الشعوب تؤخذ بالعواطف، فالمؤكد أن الحكومات والسياسيين الموالين والمعارضين يأخذون بشيء واحد فقط هو: المصالح!.
شاهد أيضاً: روسيا ترد بالمثل على طرد جماعي لدبلوماسييها في ألمانيا