«مُناف طلاس».. والحلم الذي ولد ميّتاً!
بينما كان معدّ هذا التقرير يبحث عبر الإنترنت عن معلومات لمادته الصحفية، صادفته النتائج العشوائية بمقال في مجلّة «سيدتي» تحت عنوان «صفات الرجل الفاشل.. تعرفي إليها»!.
وكان من بين صفات هذا الرجل أنه «يعيش أحلاماً بمستقبل عظيم، ويتحدث باستمرار عن خططه، وعندما يتعب الآخرون من الاستماع، يبحث عن آذان جديدة.. وهكذا».
من سخرية القدر أن هذه الصفة بالذات تنطبق على الرجل الذي سنروي لكم قصته في هذا التقرير.
منتصف العام 2013، سرت أنباء مفادها أنّ الضابط السوري المنشقّ «مناف طلاس» كان مرشّحاً لقيادة تنظيم جديد اسمه «الجيش الوطني» أراد الائتلافُ المعارض إنشاءَه.
وذكرت الأنباء أن «طلاس» اجتمع مع مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين في الأردن لترتيب هذا الأمر.. لكن كل هذه المساعي باءت بالفشل!.
بعد ذلك.. ولسنوات، بقي السيد «مناف» بعيداً عن الأضواء، حتى مطلع عام 2021، حين خرج على السوريين بحكاية «مجلس عسكري» تحت قيادته لقيادة مرحلة انتقالية في سوريا بدعم من روسيا!.
في تلك السنة بدأت تترد فكرة «المجلس العسكري» في الأوساط الإعلامية، وارتبطت باسم منصتي «موسكو» و«القاهرة» وقوات «قسد».
صحيفة الشرق الأوسط قالت «إن معارضين من منصتي موسكو والقاهرة اقترحوا في وثيقة تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها».
تابعنا على فيسبوك
ولكن ماذا حدث لاحقاً؟
نفت روسيا وجود أي محادثات حول «المجلس العسكري»، وقال مبعوث بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف في شباط 2021: «إن الحديث عن تشكيل مجلس عسكري هو تضليل متعمد يهدف لنسف المحادثات والعملية السياسية السورية».
«منصة موسكو» نفت أيضاً المعلومات حول علاقتها بالمجلس، واعتبرت أن فكرة «المجلس العسكري ولدت ميتة».
الفنان السوري المعارض جمال سليمان، وهو أحد أعضاء «منصة القاهرة»، كشف أنه طرح فكرة «المجلس العسكري» بشكل شخصي في موسكو!.
الجهة الوحيدة التي أيدت المشروع في ذلك الوقت هي «قسد» المدعومة أمريكياً، وأعلنت أنها تواصلت مع «طلاس» للتوصل إلى تفاهمات.
انتهت حكاية «المجلس العسكري» حينها كما بدأت، أي مجرّد ضجيج إعلامي لم يستغرق أكثر من شهر قبل أن يخبو!.
بعد نحو سنة ونصف، وتحديداً في شهر تشرين الأول 2022، أفادت صحيفة «القدس العربي» بأن العاصمة الفرنسية باريس، حيث يقيم «مناف طلاس» شهدت سلسلة اجتماعات بين ضباط «المجلس العسكري» ومسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة.
وقال عضو في المجلس العسكري يدعى «أحمد القناطري» للصحيفة إنهم حصلوا على «رضا ومباركة أمريكية»!.
لكن بعد ذلك، تلاشت أخبار «المجلس العسكري» وأخبار زعيمه «طلاس»، فما الجديد في حلم «مُناف»؟.
قبل أيام أطلق «طلاس» رسالة بصفته «قائد المجلس العسكري السوري»، ليعيد إحياء فكرته الميّتة!.
الضابط المنشقّ تحدث من باريس عن «مجلس عسكري» مدعوم من الخارج لقيادة «مرحلة انتقالية» في سوريا، وقال إن ظروف عمله وبرامجه بقيت سرية لسنوات بسبب طبيعتها.
باستثناء «مناف طلاس».. لم تعرف الأسماء المكوّنة للجسم العسكري، ولا مدى فاعليته على أرض الواقع، كما أن «طلاس» لا يملك أي وزن عسكري معلن على الأرض!.
فصائل المعارضة المسلحة في الشمال هشّة وولاؤها بالكامل لتركيا، بينما الجماعات الجهادية تحت قيادة «أبو محمد الجولاني» لن تقدم نفسها لخدمة «طلاس».
تابعنا على فيسبوك
ولم يبقَ في الميدان إلا حديدان!
قوات «قسد» التي تدعمها أمريكا كانت الوحيدة التي تبنّت حلم «مناف طلاس»، ومن سخرية القدر أن لا أحد لا في سوريا ولا في الإقليم يعترف بـ«قسد»، ويرونها تنظيماً انفصالياً.
أي كما يقول المثل الشعبي: «أعرج يسحب مكسّح ويقلّه تعال نتفسح».
إذا كان «طلاس» ووفقاً للمعلومات السابقة يعتمد على الدعم الأمريكي في مشروعه الذي لم يخطو به حتى الآن خطوة واحدة فعلية على الأرض، فمن الممكن أن تضمّ واشنطن فصائل مسلحة تدعمها في البادية إلى مجلسه العسكري.
كل هذا طبعاً إذا كانت واشنطن تأخذ مشروع «طلاس» على محمل الجدّ، والأهم من كلّ ذلك أن المجلس العسكري، مع كل جماعات البادية وشرقي الفرات، لا يملك الأكثرية الفعلية على الأرض لفرض «مرحلة انتقالية» بقيادته.
لا حكومة دمشق التي استعادت قوتها وسيطرتها على الجزء الأكبر من البلاد ستحقق له أحلامه الوردية، ولا تركيا وفصائلها ولا «الجولاني».
كل تطورات الملف السوري، خاصة في الإقليم، من السعودية إلى تركيا، تقول: لن يحدث أي أمر بعد الآن من دون موافقة دمشق!
وستبقى أحلام «مناف طلاس» مجرّد صورة تخيلية في ليلة باريسية!
شاهد أيضاً: علاقتنا مع دمشق.. تغيّر في لغة بعض دول “مؤتمر المانحين” ؟!