ميدان ساخن وخارطة طريق.. هل تنجح “أستانا” في إنجاز المهمة في سوريا ؟!
استمرت القوات التركية تصعيدها العسكري ضد مواقع “قسد” في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، وسط تكثيف القوات الأمريكية تحركاتها لزيادة تحصين مواقعها، بتعزيزات عسكرية ولوجستية جديدة، مع تنامي التصادمات مع القوات الروسية في المنطقة.
بالتوازي مع ما يشهده الميدان من تسخين متواصل على جبهة إدلب، التي تمثّل العقدة الأولى الأبرز على طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة، يبدو أن مساعي موسكو وطهران لإعادة تشكيل خريطة الصراع، والدفع نحو رسم آلية لهذا التطبيع من خلال “مسار أستانا”، لن تكون بهذه السهولة.
وفي الوقت الذي تتّجه فيه الأنظار إلى إدلب، التي يُراد لها أن تفتح الباب أمام تعاون اقتصادي يحقّق مصالح ثنائية لأنقرة ودمشق، كثّفت القوات التركية عمليات استهداف مواقع “قسد” في ريف حلب الشمالي الشرقي وتحديداً في تل رفعت ومنبج.
وأعادت هذه العمليات إلى الأذهان ارتباط ملفّ المنطقتَين المذكورتَين بإدلب، إذ وفق اتفاقات سابقة بين روسيا وتركيا، تعهّدت الأخيرة مراراً بحلحلة ملف إدلب وفتح الطريق الدولي المغلق بين حلب واللاذقية، مقابل تعهدات روسية بإبعاد الأكراد عن مناطق التماس.
تابعونا عبر فيسبوك
إلّا أن عدم وفاء أنقرة بتعهّداتها من جهة، ورفْض “قسد” الخروج من منبج وتل رفعت التي تنتشر قطع للجيش السوري قربهما، حالاً دون تنفيذ الاتفاق.
وجاء التصعيد التركي سواءٌ عبر المسيّرات، أو عن طريق القصف المدفعي، بالتزامن مع تحرّكات عديدة موازية على الأرض. وتَمثّل أول هذه التحرّكات في إغلاق معابر التهريب بين مواقع انتشار “قسد” ومواقع انتشار “الفصائل المسلحة” التي تقودها تركيا في الشمال السوري، وأبرزها معبر الحمران، بوابة النفط السوري الذي تقوم “قسد” بتهريبه إلى مناطق انتشار “الفصائل وهيئة تحرير الشام” في إدلب.
كذلك، جرى إغلاق معبر جرابلس الحدودي مع تركيا، في وقت بدأت فيه قوات “قسد” عمليات تحصين لمواقعها، بالإضافة إلى تطبيق تعليمات خطة أمنية عاجلة تمنع التحرّكات المكشوفة، وتحظر انتقال القياديين عبر آليات يمكن مطاردتها، وفق ما ذكرت مصادر ميدانية كردية.
وأوضحت المصادر أن تلك التعليمات شملت التخفّي والتحرّك ليلاً على طرق آمنة، موضحةً أن الخطّة المشار إليها وضعتها قيادة “قسد” قبل نحو عامين، وتقوم بتطبيقها بين وقت وآخر تبعاً للتسخين التركي المتواتر.
وعلى الرغم من التصعيد التركي المستمرّ، لم تتلقَّ الفصائل التي تقودها تركيا أيّ تعليمات جديدة للاستعداد لأيّ معركة، ما يُرجّح استمرار انتهاج أنقرة عمليات الاستهداف الجوية عبر المسيّرات، والقصف المدفعي المتواتر، من دون التوغل البري الذي سيكون مكلفاً في ظلّ الرفض الروسي لهذه الخطوة، والأمريكي أيضاً، بحسب مصادر ميدانية.
وفي السياق، أعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان مقتضب نشرته أول أمس، أن “قواتها المسلّحة تمكّنت من تحييد 67 عنصراً لـ”قسد” بضرب مقارهم في منطقتَي تل رفعت ومنبج”.
تابعونا عبر فيسبوك
وعلّلت الوزارة خطوتها بأنها جاءت ردّاً “على استهداف القواعد التركية شمالي سوريا قبل يومين”.
وفي المقابل، أصدرت “قسد” بياناً مكرّراً من بيانات أصدرتها خلال عمليات تصعيد تركية سابقة في المنطقة، إلّا أنها ربطت التوتير هذه المرة بالتفاهمات التي تحاول موسكو وطهران خلقها بين دمشق وأنقرة، معتبرةً ذلك “خطراً كبيراً سيجعل الجميع أمام احتمالات جديدة سيئة للغاية في سوريا والمنطقة”.
في هذا الوقت، يبدو أن التحرّكات الروسية الجوية المستمرّة والمكثّفة لرصد النشاط الأمريكي الذي تعتبره موسكو مشبوهاً وهادفاً إلى عرقلة وضرب أيّ استقرار في سوريا، أثارت قلق الولايات المتحدة، إذ أعلنت القيادة المركزية الأمريكية في بيان، وضع “السرب 94 الجوي الذي يضمّ طائرات من نوع F22 Raptor تحت سلطة القيادة الأمريكية الوسطى، لتأمين التفوّق الجوي الأميركي في المنطقة”.
ويمثّل الإعلان خطوة تصعيدية أمريكية جديدة بعد خطوات سابقة تضمّنت إدخال آليات ثقيلة، ومنظومات صاروخية عديدة، آخرها منظومة «هيمارس» التي قامت واشنطن بنشرها في محيط المواقع النفطية السورية.
ويأتي ذلك فيما لا تزال الولايات المتحدة تلتزم الصمت حيال الهجمات التركية المستمرّة، وتتابع العمل على تحصين مواقع سيطرتها. ومن بين هذه المواقع، المناطق النفطية في الشمال الشرقي من سوريا، حيث أجرت مناورة قرب حقل “كونيكو” للغاز، وفي منطقة التنف التي تعمل على تحويلها إلى قاعدة ارتكاز وقيادة، تقود من خلالها فصائل عربية عديدة تابعة لها قرب الحدود العراقية.
وتعود هذه التحرّكات إلى توقّع واشنطن تزايد الضغوط الميدانية على وجودها العسكري في سوريا، خصوصاً أن رفض الوجود الأمريكي يُعتبر إحدى أبرز النقاط التوافقية بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا.
وفي وقت لم تتسرّب فيه أيّ معلومات دقيقة عن خريطة الطريق التي أعلن نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إعدادها بخصوص تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، من المرتقب أن يتمّ طرْحها خلال لقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماع “مسار أستانا” في كازاخستان، والمقرّر الأربعاء المقبل.
وفي هذا السياق، تُعتبر ثنائية الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة والفصائل المدعومة من تركيا “بما فيها هيئة تحرير الشام” القضيّة الأبرز في المباحثات السورية – التركية، إذ من جهة، تتمسّك دمشق بخروج القوات التركية من سوريا وقطع تمويل ودعم الفصائل، في وقت تحاول فيه كلّ من موسكو وطهران الدفع نحو تعاون ينهي الملفَّين معاً عبر إعادة سيطرة الحكومة السورية على الحدود.
شاهد أيضاً : “قسد” تعرقل خطة أمريكية لحماية “شرق سوريا”