“نقطة النار”.. أمريكا تتحرك مجدداً في سوريا ؟!
إثر حدوث نشاطات سياسيّة بارزة وحراك إقليميّ ودولي جديد من نوعه منذ سنوات، يتعلّق بشكل مباشر بالوضع السوريّ، والذي تمثّل في انفتاح عربيّ على الدولة السوريّة، أفضى إلى مشاركة الأخيرة في القمة العربية، وزيارات لمسؤولين سوريين بارزين إلى عدد من عواصم المنطقة، كل هذا خلق حالة من التفاؤل والأمل وسط الشارع السوري بانفراجات قريبة تمس المواطن السوري.
كما ظهرت تصريحات رسمية وتقارير تتحدّث عن تقدّم حقيقيّ على مسار التسوية بين أنقرة ودمشق تحت الرعاية الروسيّة – الإيرانية، ثم عن اجتماعات أمريكيّة – سوريّة مباشَرَة، لأول مرة منذ سنوات، في سلطنة عُمان والمملكة الأردنية الهاشمية.
ترافق كل ذلك مع نشاط دبلوماسيّ عربي حثيث في العاصمة الأمريكية واشنطن، قاده سفراء الدول العربية ذاتها، لمحاولة إحداث تغييرٍ في طريقة التعاطي الأمريكية مع الملف السوريّ، يقوم على إقناع واشنطن بعدم جدوى السياسات السابقة مع الدولة السورية، وتدشين مرحلة واقعيّة ترتكز على سياسة “الخطوة مقابل خطوة” مع دمشق، وعلى رؤية عربية جديدة ترى تلك العواصم أنّها قد تُحقّق مصالح الجميع في الإقليم عموماً، وتُرسي بعض التوازن مع النفوذ الإيراني – الروسيّ في سوريا.
على الرغم من كلّ ذلك، فإنّ أيّاً من هذا لم ينعكس إيجاباً، حتى اللحظة، على أيّ جانب من جوانب الوضع في الداخل السوريّ، بل إنّ مسار الأمور، ميدانيّاً واقتصاديّاً ومعيشيّاً، يمضي على نحو معاكس تماماً للتعليقات التي عكستها تلك الصور الإيجابية التي أفرزتها النشاطات والحراكات السياسية خلال الأشهر الستّة الأخيرة.
ويتّضح جليّاً يوماً بعد يوم، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أيّ حلّ في سوريا، وهي تفعل كل ما في وسعها لإعاقة أيّ تسوية داخلية أو إقليمية بين دمشق وعواصم المنطقة.
فالوثائق الأمريكية المسرّبة أخيراً، تشير بوضوح إلى أنّ العرب لم يفلحوا في ثني الإدارة الأمريكية عن خططها العدوانية حيال دمشق، وأنّ واشنطن حرصت على عدم السماح لهم بالذهاب بعيداً في مسألة تطوير علاقاتهم معها نحو ما هو أبعد من الأحاديث والصور والكلام العام والاستهلاكيّ عن “وحدة الأراضي السورية” وضرورة “تخفيف معاناة الإخوة السوريين”. فالمهم هنا بالنسبة إلى واشنطن، هو عدم الانفتاح الاقتصادي على سوريا، وإبقاء الحصار الذي يخنق المواطن السوري والذي من المفترض، أمريكيّاً، أنه أنجع الوسائل التي ستدفع بدمشق نحو تقديم التنازلات مقابل حياة السوريين وعدم موتهم جوعاً.
وميدانياً، عادت واشنطن مؤخّراً إلى نقطة النار الأولى، فإلى جانب استقدامها تعزيزات عسكرية جديدة، بينها صواريخ نوعيّة من طراز “هيمارس”، ومضادات جوية ومنظومات حرب إلكترونية، ومدرّعات وعربات تحمل أعداداً جديدة من الجنود والتجهيزات اللوجستية، وإعادتها خلق كيانات عسكرية محليّة واستحداثها تحت مسمّيات جديدة، تعمّدت قوات الاحتلال الأمريكيّ مؤخّراً، وخلال قيام القوات السورية – الروسية المشتركة بتنفيذ مناورات عسكرية في ريف حلب الشرقيّ، إرسال ثلاث طائرات مسيّرة إلى سماء منطقة المناورات قرب مدينة “الباب”، الأمر الذي دفع القوات الجوية الروسية إلى التحرّك فوراً وطرد الطائرات الأمريكية بعد إطلاق البالونات الحرارية والعيارات المضيئة في اتّجاهها.
ولا تكمن خطورة هذه الخطوة في أنها تُشكّل إعلاناً صريحاً عن الاستعداد الأمريكيّ لتقويض اتفاقية “منع التصادم” المعمول بها منذ العام 2015 بين القوتين الجوّيتين الروسية والأمريكية في السماء السورية، وحسب، بل باعتبارها رسالة أمريكية واضحة للروس، مفادها أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للاصطدام العسكريّ المباشر لوضع حدّ للخطط والترتيبات الروسية الجارية في الملف السوريّ ميدانيّاً وسياسيّاً، ولدفع السوريين وحلفائهم إلى التفكير طويلاً قبل المضيّ قدماً في مشروعهم الرامي إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي وطرده من الأرض السورية، ووقف خططهم الآخذة بالتصاعد في هذا الشأن.
لكنّ واشنطن لم تتوقّف عند مرحلة “الردع”، أو الدفاع عن وجودها الاحتلاليّ ومحاولة إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، بل لديها خطط جديدة للتوسّع في الشرق والبادية، ومن تلك الخطط محاولة طرد القوات الشرعية السورية والقوات العسكرية الرديفة العاملة معها، من الريف الشماليّ الشرقيّ لمحافظة دير الزور، وربط قاعدة الاحتلال في “التنف” بالمناطق التي تسيطر عليها “قسد” في الشمال الشرقي للبلاد.
ولهذا الغرض، أمرت قوات الاحتلال قيادة “قسد” بالدفع بحشود عسكرية كبيرة من محافظة الحسكة في اتجاه دير الزور.
ووُضعت تلك الحشود تحت التصرّف المباشر لقيادة قوات الاحتلال الأمريكيّ في المنطقة، بالتزامن مع وصول عشرات المركبات والآليات العسكرية الأمريكية إلى الريف الشرقي للمحافظة، قادمة من منطقة منبج شماليّ الرقة.
تابعونا عبر فيسبوك
وقد اتّخذت القوات جميعها، وضعيات القتال بعد تهيئة الأرض وإزالة الألغام على طول خط المواجهة مع القوات السورية هناك، ما دفع بوزارة الدفاع السورية إلى تعزيز قواتها واستقدام مجموعات عسكرية جديدة من قوات النخبة، واتّخاذها وضعية القتال على خطوط التماس مع قوات التحالف.
تشير المعلومات المتعلّقة بهذا السياق، أنّ القيادات العسكرية في دمشق وموسكو وطهران، قد تجهّزت تماماً لاحتمال المواجهة في أيّ لحظة – وليست المناورات السورية – الروسية التي حدثت قبل أيام، سوى تدريب ميدانيّ متطوّر على المواجهة المحتملة – وأنّ تنفيذ هذا المخطط الأمريكي، هو أمر لا يمكن السماح به تحت أيّ ظرف، وأنّ قرار تصعيد عمليات المقاومة الشعبية والنظامية لقوات الاحتلال، أمرٌلا رجعة عنه، وهنا، ستقوم تركيا، بالتنسيق مع موسكو، بالدور الأكبر على هذا الصعيد.
وفي حين لم تصدر حتى اللحظة، أيّ تعليمات تركية واضحة وشاملة للفصائل التابعة لأنقرة، حول مسار وخطوات “خارطة الطريق” الخاصة بتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، والتي أعلن عنها وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر “أستانة” الأخير، لكنّ الأوامر التركية بقرب تسليم طريق “أم 4” (أو جزء منه كمرحلة أولية على الأقل) قد أُبلِغت بالفعل لتلك الفصائل.
أضافةً لإصدارها أوامرقاضية بضرورة عدم تنفيذ أي هجمات في محيط طريق “أم 4” أو السماح لمحتجّين بالاقتراب منه. غير ذلك، لم تُتّخذ أي خطوات عملية كبيرة في ميدان تلك الخارطة.
شاهد أيضاً: طهران تستدعي السفير الروسي.. ما القصة ؟!