سلاح بريكس الذي يهدد الدولار.. هل يكون النفط رصاصة الرحمة ؟!
مع العزم على على ولادة نظامٍ اقتصادي عالمي جديد وفي إطار قراءات متعددة حول الأوراق التي يمكن أن يمتلكها تكتل “بريكس”، طُرحت فكرة إمكانية تقييم النفط بعملات غير الدولار.
وفي أعقاب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوالي العقوبات الاقتصادية من أمريكا والغرب، أعلنت روسيا بيعها النفط بالروبل، وفق شروط معينة، وبالفعل تمت صفقة بيع النفط من روسيا إلى الهند على أن يكون الدفع بالروبل الروسي، وذلك في آذار 2023.
كما شهد الشهر نفسه الإعلان عن عزم السعودية دراسة تصدير جزء من نفطها للصين باليوان، وهو ما يجعلنا نستعد لأن يكون عصر “البترودولار” في طريقه للتراجع، ومن المبكر أن نقول إنه، “في طريقه للزوال”.
وطالبت قمة “بريكس” التي استضافتها جنوب أفريقيا بزيادة توسيط العملات المحلية في التسويات التجارية والمالية، وذلك من أجل التغلب على المشكلات الناتجة عن تفرد الدولار منذ عقود، كونه العملة الرئيسة لتسوية المعاملات المالية والتجارية على مستوى العالم.
وحسب تقرير صندوق النقد الدولي في نيسان الماضي، فإن حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي على مستوى العالم بلغت 58.3%، وهي الحصة الأدنى منذ سنوات، ويأتي اليورو في المرتبة الثانية بعد الدولار بنسبة 20.4%، ثم الين الياباني بنسبة 5.5%، ثم اليوان الصيني بنسبة 2.6%.
وأوردت وكالة بلومبيرغ مؤخراً أنّ حصة الدولار في التسويات المالية بلغت معدلات هي الأعلى من بين العملات، وكذلك الأفضل عما كانت عليه الأوضاع قبل عقد من الزمان، حيث بلغت حصة الدولار في التسويات المالية في تموز 2023 نسبة 46%، يليه اليورو، ثم اليوان.
كما تشير الأرقام الخاصة بقاعدة البنك الدولي إلى تصاعد مستمر في نصيب دول تكتل “بريكس” من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بنسبة تصل إلى 25%، وكذلك بلوغ حصتها من الصادرات السلعية العالمية 20%، وفي الواردات السلعية العالمية 15.9%.
وتحظى دول التكتل بحصص جيدة في الاستثمار الأجنبي المباشر، أفضلها الصين التي حققت 180 مليار دولار في 2022، بنسبة تصل إلى 10% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم.
يضم تجمع البريكس قبل قمة جنوب أفريقيا آب 2023، دولة نفطية واحدة، وهي روسيا، وإن كانت باقي دول التكتل لديها إنتاجها من النفط، إلا أنها مستورد صافٍ لها، بخاصة الصين والهند لاعتبارات معدلات النمو المرتفعة التي تحققانها.
ولكن بعد أن أسفرت قمة جنوب أفريقيا عن دعوة أعضاء جدد للانضمام إليها، ومن بينهم دول نفطية؛ مثل: إيران والسعودية والإمارات، فإن ذلك يعني أن التكتل سوف يمتلك حصة كبيرة من إنتاج النفط في العالم.
تابعونا عبر فيسبوك
فحسب أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، فإن الدول النفطية التي حظيت بالانضمام للبريكس (السعودية والإمارات وإيران) لديها 14.4 مليون برميل حصة إنتاج يومي، وإذا ما أضيفت لها حصة روسيا بـ 10.6 مليون برميل يوميًا، فسنكون أمام حصة قدرها 25 مليون برميل يومياً (وذلك حسب إحصاءات 2021).
وهو ما يعني أن تلك الحصة تقترب لما تمتلكه منظمة أوبك، ويعطي هذا نقطة قوة لتكتل بريكس، للمضي قدماً في تفعيل مقترح تسعير أو تقييم النفط بغير الدولار، ليكون ذلك عاملاً مهماً مساعداً في تفعيل إستراتيجية التكتل، لزيادة حصة التسويات التجارية لدوله لتصل إلى نسبة 30% من حجم تعاملاته التجارية، ويكون بالفعل منعطفاً حقيقياً على طريق إيجاد نظام مالي عالمي جديد.
لكن حلقة النفط الخاصة بإنتاجه في مراحله المختلفة، لا تقتصر على بيع الخام فقط، أو حتى المشتقات، فهناك مراحل الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والنقل والتأمين، وكلها تقع في يد شركات، أغلبها إما أمريكية وإما غربية، وهو ما يجعل مقترح تقييم النفط بغير الدولار يواجه صعوبات ليست سهلة.
فأمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوة، التي تستهدف سحب أهم أوراق سيطرتها على الاقتصاد العالمي، ورأينا كيف فعّلت أمريكا ورقة التقنية في حربها مع الصين منذ 2018 حتى الآن.
معظم النار من مستصغر الشرر، وطالما أن الفكرة طرحت ودخلت حيز التنفيذ ولو على نطاق ضيق، فقد ولدت، ولكن لا ينبغي لنا قراءة “السيناريوهات” الخاصة بهذه القضايا الإستراتيجية في دائرة صراع القوى الاقتصادية الكبرى، في ضوء المعادلات الصفرية.
كما أن تشابك المصالح وتعقدها بشكل كبير، يعطي أطراف الصراع مساحة للأخذ والرد، والسماح لخطوات معينة أن تُتخذ، من أجل السيطرة على مساحات أكبر.
ولكن أمر تراجع أو انتهاء عصر البترودولار، يتوقف على الإرادات السياسية لتجمع “بريكس” تكتلاً ودولاً، حسب قواعد اشتباكها مع دوائر الصراع العالمي، وما إذا كان لديها القدرة على تحمل تبعات هذه الخطوة.
شاهد أيضاً: لبنان لا يملك مخزوناً من القمح