اتحاد سوريا الفيدرالي.. “الدولة الفاشلة” !
إذا كنت سورياً وتريد أن تعرف ما هو مستقبل “الفيدرالية” التي تروّج لها «قسد» في بلادك، فعليك أن تعرف كيف عاش أجدادك السوريون هذه التجربة قبل نحو 100 عام.. وأن تتعلم الدرس جيّداً!.
قسمت فرنسا سوريا إلى 5 دويلات أثناء الانتداب.. رسمت حدوداً نفسية وإدارية بين الداخل والساحل والشمال والجنوب، وفرضت على السوريين في 3 دويلات نظامَ حكمٍ غريباً عنهم يدعى “الاتحاد السوري الفيدرالي”.
الجنرال غورو كان مهندس الفيدرالية التي عاشت حياة قصيرة لم تتجاوز الـ18 شهراً، وقرر إنشاء الاتحاد من دويلات دمشق وحلب والساحل في حزيران 1922.
فما هي أهم قواعد الحكم الجديد ؟!
المفاجأة الأولى كانت أن عاصمة الاتحاد ستكون حلب بدلاً من دمشق!.
لكل دويلة حق إدارة شؤونها المالية والعدلية والتعليم والدرك والأمن العام إلى، ولا يحق لأي دويلة التدخل في شؤون الدويلات الأخرى في أي من هذه الأمور!.
يحق لكل دويلة أن تأخذ 50 % من مواردها لنفسها وأن توزّع ما بقي بالتساوي على شقيقاتها.
لكل دويلة حق الحفاظ على نظامها التعليمي المستقل وعلمها المفروض من الفرنسيين.
يجتمع 15 مندوباً عن الدويلات الثلاث لانتخاب رئيس من بينهم، ولكن لكل دويلة الحق بالحفاظ على حاكمها المحلي.
تتساوى الأصوات في المجلس بين دمشق وحلب والساحل.. ولا سلطة للعاصمة حلب على الدول الأخرى.
لم يعجب الاتحادُ أحداً من أعضاءه سواء في ذلك الدمشقيون والحلبيون وأهل الساحل.
تابعنا عبر فيسبوك
الدمشقيون غضبوا من إعطاء العاصمة لحلب، ورفضوا المساواة بينهم وبين أهل الساحل، بالإضافة إلى أن رئيس الاتحاد لم يكن من دمشق.. لم يهضم الدمشقيون هذا التحجيم المجحف لمدينتهم.
الحلبيون أزعجتهم فكرة محاصصة الثروة ومشاركتهم المال مع دمشق واللاذقية، وضخ مالهم الوفير بمشاريع بعيدة لا تعنيهم.. وأغضبهم أن أجور موظفي دمشق كانت أعلى من أجورهم، بحجة أن المعيشة في دمشق كانت أغلى من حلب!
أهل الساحل لم يعجبهم الاتحاد لأسباب عدة أولها حالة الفوقية التي يمارسها أهالي دمشق وحلب تجاههم، وهددوا بالانسحاب من الاتحاد مرتين خلال مدة حياته القصيرة.
حزيران 1924.. قام المندوب السامي الفرنسي الجديد «مكسيم ويغان» بجولة في دويلات الاتحاد، ورأى أن الجميع كان غاضباً من نظام الحكم الفيدرالي.
الدمشقيون طالبوا إما بإعادة استقلال مدينتهم أو بوحدة الأراضي السورية.. أهالي حلب اشتكوا من الاتحاد وقالوا إنه يكلفهم الكثير من المال، وناشدوا المندوب الفرنسي لحماية حلب من الإفلاس المرتقب.. فيما اشتكى أهل الساحل من التعامل معهم بفوقية!.
وفعلاً أطلق المندوب السامي رصاصة الرحمة على الاتحاد في كانون الثاني 1924 بعد أن أدرك فشله، واستبدله بدولة سوريا تجمع بين دمشق وحلب.. بينما بقي الساحل مستقلاً تحت الحكم الفرنسي، مثله مثل دولة الدروز وسنجق إسكندرون.
يعدّد المؤرخ السوري «سامي المبيّض» في كتابه «تاريخ دمشق المنسي» أسباب فشل التجربة الفيدرالية السورية.. وأهمها أنها كانت تجربة غريبة لم تحدث برضى السوريين أو استشارتهم، ولم يجري أي استفتاء شعبي، بل برغبة من حكام فرنسا!.
كما أن الاتحاد كان مشروعاً استعمارياً، لم يأخذ في الاعتبار تاريخ البلاد وعادات أهلها.
أيضاً تعاملت فرنسا في الاتحاد مع الأقليات السورية كجيوب طائفية لا كمواطنين سوريين.
اليوم.. وبعد مرور نحو 13 عاماً على الحرب في سوريا، تحاول «قسد» فرض الفيدرالية كأمر واقع في البلاد انطلاقاً من مناطق سيطرتها.
تقوم بذلك تحت مظلة قوة عسكرية خارجية هي أمريكا، وتكتب عقدها الخاص دون استفتاء شعبي أو استشارة أو رضى حتى سكان المناطق الخاضعة لها، وتتعامل مع السوريين في دستورها كجيوب إثنية وطائفية، مستندة في ذلك إلى النموذج الفيدرالي العراقي والسويسري!.
إذن واستناداً إلى درس التاريخ.. كيف سيكون مستقبل هذه الفيدرالية ؟!.
عن كتاب «تاريخ دمشق المنسي» – سامي المبيّض
شاهد أيضاً: “إسرائيل” ترفع السرّية عن مفاوضات مع سوريا عام 1973