قلم سحري يكشف المستور.. أغرب قضية نصب واحتيال في دمشق
للنصب والاحتيال أشكال وطرق وأساليب كثيرة قد لا تخطر على البال، لذلك ابتعد المحامي منار اليوسفي في هذا المقال عن رواية دعاوى جرائم القتل والخيانة، واختار لـ”كيو ستريت” سرد أغرب دعاوى “النصب والاحتيال” التي حدثت في سوريا، وبـ”الصدفة البحتة” استطاع حل لغزها.
خيوط القضية، تبدأ من منزل إيجار قديم خاضع للتمديد الحكمي “تجديد تلقائي” في وسط العاصمة دمشق، تسكنه عائلة تواظب بشكل شهري على دفع الأجرة لمالكه، إلى أن توفي رب العائلة وانتقل عقد الإيجار لورثته.
تابعونا عبر فيسبوك
تولى أحد الورثة المهمة، وبات بشكل شهري يسدد الأجرة لمالك العقار، بموجب إيصالات استلام ممهورة بتوقيع المؤجر وبصمته.
باتفاق بين الطرفين.. تحول عقد الإيجار إلى بيع !
في يومٍ من الأيام، تفاجأ مالك العقار بإقامة المستأجر دعوى قضائية عليه “تثبيت البيع الجاري بين الطرفين” للعقار المؤجر، كيف ذلك ولا يوجد أي اتفاق بالواقع بين المالك والمستأجر؟!
المؤجر تواصل مع المستأجر للاستفهام حول هذه الدعوى، ليجيبه الأخير أن “المحاكم بينهم وكل واحد بهم سيحصل على حقه أمام القضاء”!
لم يكن أمام المدعى عليه “مالك العقار”، سوى اللجوء إلى المحامي “منار اليوسفي”، حيث أبدى له استغرابه من وجود استدعاء من قبل المحكمة لدعوى “تثبيت بيع”، رغم عدم وجود اتفاق أو بيع للعقار في الحقيقة.
ويكمل “اليوسفي” لـ”كيوستريت”: “بناءً على ما سبق راجعت الدعوى والوثائق المرفقة، وتبيّن وجود عقد بيع بين الطرفين في اضبارة المحكمة، حيث أخذت صورة ضوئية عن العقد، لعرضها على موكلي، وسؤاله عن إبرامه للاتفاق مع المستأجر “المدعي”، ليؤكد لي بأن هذا العقد مزور”، ما آثار استغرابه، خصوصاً أن التوقيع والبصمة الواردة في العقد تعود لموكله!
المحامي أنكر الدعوى جملةً وتفصيلاً أمام المحكمة، مؤكداً بأن العقد مزور، والتوقيع والبصمة لا تعودان للمدعى عليه، كما طلب إجراء خبرة فنية ومضاهاة للبصمة والتوقيع، فيما إذ تعودان لمالك العقار.
وهنا كانت الصدمة، التقرير أثبت أن التوقيع والبصمة يعودان لمالك العقار، الأمر الذي جعل المستأجر “المدعي” يتمسك بعقد البيع، ويبرز إيصالات استلام ثمن العقار على 3 دفعات مذيلة بتوقيع وبصمة مالك العقار، ليطلب “اليوسفي” التدقيق بالإيصالات.
وللأسف لم يحصل المدعي عليه، على مراده من خلال هذه الطلبات، حيث أكد تقرير الخبرة الفنية والمضاهاة أن البصمة والتوقيع يعودان له، الأمر الذي جعل “اليوسفي” يشكك بصدق موكله.
انتهت الدعوى بقرار “تثبيت البيع الجاري بين الأطراف وانتقال ملكية العقار من المؤجر إلى المستأجر”، حيث استندت المحكمة بقرارها إلى عقد البيع والإيصالات الذي أبرزها المدعي أمامها.
مالك العقار استمر بالمماطلة، بهذه القضية، حيث أوكل “اليوسفي” بتقديم طلب باستئناف قرار المحكمة.
قلمٌ سحري يخفي وراءه الحقيقة
خلال النظر بالاستئناف، جاء أحد أصدقاء المحامي من مدينة ميونخ الألمانية، وأهداه قلم حبر أزرق قابل للمحي، أي ما يكتب بالقلم يمكن محيه بشكل كامل، تماماً مثل قلم الرصاص.
عند أخذ “اليوسفي” للهدية، أول شيء قفز إلى ذهنه عقد البيع لموكله، ما علاقة القلم السحري بالقضية؟!
على الفور طلب المحامي من محكمة الاستئناف إعادة الخبرة، لكن هذه المرة ليس على التوقيع والبصمة وإنما لمضمون ورقة العقد والإيصالات، وإحالة الموضوع إلى الأمن الجنائي لمعرفة فيما إذا كان يوجد كلام على ورقة العقد تمت إزالته وإعادة تعبئته بحبر آخر.
وبالفعل جاء تقرير الخبرة الجنائية للأدلة القضائية بواسطة 3 خبراء، بأن مضمون العقد تم محيه بالكامل وإضافة مضمون آخر، وكذلك الأمر بالنسبة للإيصالات.
وتم فسخ العقد بموجب قرار محكمة الاستئناف وإعادة العقار لمالكه الأصلي، الذي رفع دعوى تزوير بحق المستأجر، وصدر حكم بإدانته بعقوبة سنتين سجن وتم تشديدها لتزوير مستند غير عادي وتحويله إلى رسمي كونه قد أبرزه في المحكمة وانقلب الوصف الجرمي من جنحة إلى جناية وتمديد العقوبة إلى 4 سنوات.
وفي النهاية، ينصح “اليوسفي” القراء، بعدم التوقيع على ورقة مكتوبة بخط اليد، وإنما حصراً على كلام مطبوع، واستخدام قلمهم الخاص، لعدم وقوعهم ضحايا للنصب وللاحتيال.
شاهد أيضاً: منتحر أم مقتول.. لغز جريمة قتل صاحب أشهر شوكولا في سوريا