آخر الاخباررئيسيمحليات

بورصة دمشق.. نظرة في العمق !

كان التوقيت الذي ظهرت فيه بورصة دمشق إلى النور صعباً على مستوى المالي العالمي، وخصوصاً أن “الأزمة المالية العالمية 2008” لم يكن قد مر على انتهائها سوى بضعة أشهر، وعلى لسان مسؤولين سوريين كثر حاليين وسابقين، فقد جاءت العبارة التالية: “بورصة دمشق ظُلمت”.

“كيو بزنس” وبعد السقوط الذي شهدته أسواق البورصات العالمية في الفترة الأخيرة، قررت فتح ملف بورصة دمشق على مصراعيه، للتحقيق في فاعلية هذه السوق وقدرته على انتشال الاقتصاد السوري مما هو فيه.

ولادة متعسرة

انطلقت سوق دمشق للأوراق المالية في 10 آذار/مارس 2009، إيذاناً بدخول الاقتصاد السوري مرحلة جديدة على طريق التحول نحو اقتصاد السوق.

والتصريحات الصحفية التي صدرت حينها على لسان مسؤوليها كانت لافتةً وشديدة الجرأة، فقد قال المدير التنفيذي للسوق آنذاك الدكتور “محمد جليلاتي” إن اختيار توقيت الافتتاح مدروس رغم الأزمة المالية العالمية.

وأضاف: “سوريا لديها أسواق أولية وإنتاج زراعي وصناعي مما يجعل الاستثمارات تتجه بالفعل لزيادة الناتج القومي وليس إلى الاقتصاد المالي الذي تلقى ضربة موجعة في الأزمة المالية”.

 

وبلغ عدد الشركات التي أدرجت عام الافتتاح 12 شركة فقط، في حين بلغ عدد الشركات المساهمة آنذاك 365 منها 300 مساهمة مغلفة و65 عامة.

في العام التالي أيّ (2010) وصل عدد الشركات إلى 19 شركة مدرجة وقُدرت قيمة التداولات بـ 9 مليار ليرة (180 مليون دولار أمريكي).

 

 

خلال الحرب.. عثرات وإنجازات !

تجاوزت خسارة بورصة دمشق في 3 يناير/تشرين الأول من عام 2012، حاجز الـ 61.6 مليار ليرة سورية (مليار ومئة مليون دولار)، وذلك على أساس القيمة السوقية لجميع الشركات المدرجة، بعدما انتهت تداولات عام 2011 مع قيمة سوقية تجاوزت 82.69 مليار ليرة.

كانت هذه الخسائر إيذاناً بدخول نفق مظلم لا ضوء بعده، فقد نقلت وكالة فرانس برس، عن المستثمر محمد الحراكي عام 2015 قوله: “لم أتغيّب عن جلسة واحدة من جلسات التداول. قبل الحرب كانت القاعة مليئة بالمستثمرين والمضاربين والوسطاء، أما اليوم فلا يوجد إلا نحن الاثنين(هو صديقه المستثمر) وبعض الموظفين. لقد رحل الجميع”.

ووفقاً للوكالة “تم تداول 17.7 مليون سهم بقيمة 7,8 مليار ليرة سورية العام 2011، مقابل التداول بـ25 مليون سهم العام 2014 ولكن بقيمة 3.3 مليارات ليرة سورية فقط”.

وكان حينها قد وصل الدولار إلى 240 ليرة، أي أن قيمة وحجم التدوال مهما زادت أرقامهما تبدو وهمية في ظل انخفاض العملة السورية، تبعاً لما نقلته الوكالة الفرنسية.

في 2017 بلغ حجم التداول في سوق دمشق حوالي 28.8 مليون سهم، بقيمة إجمالية 12.6 مليار ليرة سورية، محققاً قفزة قياسية عندما وصل حجم التداول إلى 308% عن العام الذي سبق، بقفزة أشاد بها العدو قبل الصديق، وهو ما أدى إلى ارتفاع القيمة السوقية للشركات المدرجة إلى 646 مليار ليرة سورية.

إلا أن ما بقي خلال الحرب هو استحواذ قطاع المصارف والبنوك على النسبة الكبرى من السوق من حيث قيم التداول والحصة السوقية.

 

توضيحات ضرورية

الخبير الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا، كشف لـ”كيو بزنس” عن السبب الحقيقي لاستحواذ المصارف على ما يقارب 90 % من سوق دمشق للأوراق المالية.

“شهدا”، أوضح أولاً أن المصارف العاملة في سوريا، هي أدوات لدى المصرف سوريا المركزي، على اعتباره “أبو المصارف”.

ومصرف سورية المركزي له “دور رقابي وتنظيمي على سوق دمشق للأوراق المالية، مما يستلزم أن يكون للمصارف ثقلاً في السوق، بغية تنفيذ السياسات النقدية”، على اعتباره القوة الحيادية اللازمة للمحافظة على التوازن الاقتصادي في البلاد، وفقاً لما قاله “شهدا”.

وبالنسبة لتوزيع أسهم المجانية كأرباح على المساهمين في السوق عوضا عن النقد، فله أثر سلبي كما قالت وزيرة الاقتصاد السابقة د. لمياء عاصي بتصريح سابق لـ” كيو بزنس”، حيث قالت: “إن فقدان ثقة المستثمر بالسوق السورية هو أبرز التداعيات لقرار المصرف المركزي بتوزيع الأسهم، لأنه سيؤدي إلى إحجام الكثير من المستثمرين في الداخل أو الخارج من الاستثمار بحمل الأسهم في الأصول السورية”.

وبعيداً عن سلبيات هذا القرار استفسرنا من الخبير عامر شهدا عن معلومة مقال بعنوان (بيع الوهم في بورصة دمشق)، تعتبر أن قرار توزيع الأرباح على شكل أسهم مجانية، “سيدفع المستثمرين الصغار إلى بيع أسهمهم ومن ثم تركز الأسهم في يد فئة قليلة من المستثمرين الكبار”.

ورداً على ذلك قال شهدا: “قرار توزيع أسهم هو قرار توزيع الأرباح على شكل أسهم مجانية ومن ثم فإن لكل مستثمر نصيب من الأرباح بحسب عدد الأسهم ، سواءً كان المستثمر صغيراً أو كبيراً”.

وأضاف: “كبار المستثمرين من الطبيعي أن يكون لديهم الحصة الأكبر كونهم وظفوا رأس مال كبير في استثمار الأصول الموجودة”.

علاقتها بالبورصة العالمية

في الخامس من آب /أغسطس الجاري، طغى اللون الأحمر على أداء بورصات العالم بعد تقارير التوظيف الأمريكية وما تبعها من مخاوف حول ركود محتمل في الاقتصاد الأمريكي.

وتلك الأسباب مجتمعة دفعت “كيو بزنس” للسؤال عن التأثير الذي تعرضت له بورصة دمشق فكانت الإجابة من الخبير عامر شهدا أن “سوق دمشق لن تتأثر بالهبوطات الحادة التي حصلت، أو من الممكن تحصل مستقبلاً، مرجعاً ذلك إلى سوق دمشق ليس لها ارتباطات بالبورصات العالمية، بحيث لا يمكن إبرام عقود مستقبلية لشراء النحاس أو الذهب”.

مؤشرات الأداء وتحسن الاقتصاد

كان لافتاً صعود مؤشر أداء بورصة دمشق، ليكون الأول عربياً وفق تقرير صندوق النقد العربي للربع الأول من عام 2024، وهذا ما دفعنا للسؤال عن انعكاسات هذا الأداء على الواقع الاقتصادي.

الخبير شهدا أشار إلى تحسن مؤشرات الأداء لا يرتبط مباشرة بالاقتصاد إذ هو “ليس سوقاً لبيع المنتجات، هو سوق منظم للصفقات والتداولات التي يجريها المستثمرون”.

لكن الخبير المصرفي أشار إلى أن مؤشر أداء بورصة دمشق “من الممكن أن يعطي تصوراً يشجع المستثمرين بالخارج على إدخال استثماراتهم إلى البلاد”، ولذلك يحرص السوق على إعلان أدائه بشكل دوري كما يحرص على الإفصاحات المالية.

زر الذهاب إلى الأعلى