آخر الاخباررئيسيسياسة

“عصر التفاهة”.. هكذا يغزو البلهاء العالم!

قبل نحو 20 سنة.. كنتُ يافعاً في المدرسة الثانوية، وأحلم أن أصبح كاتباً في المستقبل يقدّم المعرفة للناس.. لكن العالم تغيّر كثيراً بينما كنت أكبر، وأصبحت اليوم أمام مفترق طرق: إما أن أتابع السير في طريق المعرفة الحقيقية فأعيشُ على هامش هذا العالم، وإما أن أرقص مثلاً أو أفعل أشياء بهلوانية فألفتُ انتباه الناس، وأتمكن من الاندماج في «عالم التفاهة»!.

يقول روائي إسباني: «العالم لن يفنى بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحوّل الواقع إلى نكتة سخيفة».

أما الفيلسوف الكندي المعاصر «آلان دونو» فقدّم كتاباً شيّقاً بعنوان «نظام التفاهة» يشرح فيه كيف وصل العالم إلى الدرك الأسفل من الرداءة!.

هل تبحث عن الشهرة بأسرع وأسهل الطرق؟ ودون أدنى تخطيط أو ابتكار؟.

كل ما عليك فعله هو الذهاب إلى مكان واحد وبقالب جاهز.. ثم لفت الانتباه بأي طريقة.. وليس أي طريقة!.

ارقص على «تيك توك» أو «فيس بوك».. هزّ كرشك.. تعمّد إضحاك الآخرين بحركات غير سوية.. ارتدي ملابس غريبة.. واستخدم إيحاءات مثيرة وكلاماً بذيئاً.

أما أنت عزيزتي المتابعة، فليس عليك سوى نزع ما استطعتِ من الثياب والتمايل على أنغام هابطة!.

تابعنا عبر فيسبوك

هكذا تأتي الشهرة اليوم على طبق من ذهب، في بيئة خصبة، هي مواقع التواصل الاجتماعي، تمهّد الطريق للتافهين ليصبحوا محط أنظار العالم، والأخطر من ذلك أنهم يصبحون مؤثرين وقدوة لأبناء جيلهم لتنتشر التفاهة والبلاهة في هذا العالم كالنار في الهشيم!.

يقول الفيلسوف الإيطالي «أومبرتو إيكو» إن وسائل التواصل الاجتماعي «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، أما الآن فلهم حق الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء».

ولكن كيف وصل العالم هذه الدرجة من الانحطاط؟.

في كتابه «نظام التفاهة» يعرّف آلان دونو هذا النظام بأنه «نظام اجتماعي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة عوضاً عن العمل الجاد والملتزم».

المشكلة بدأت مع تسرّب التفاهة إلى عالم المعرفة والخبرة التي يفترض أن تكون بمنأى عن هذا «الفيروس القاتل»، وكان ذلك عبر رؤوس الأموال المتوحشة وقبضتها المحكمة على الاقتصاد المتحكم في كل مفاصل المجتمعات المعاصرة.

أخطر ما في «نظام التفاهة» بحسب الكاتب هو أن لديه القدرة على تحويل رأس المال الثقافي إلى أشياء تافهة، حيث يُفرض على الفنانين العمل وفقاً لأهداف السوق، أكثر من الأهداف المرتبطة بعمليتهم الإبداعية الخاصة.. والفنان إن لم يخضع لهذا الترويض فإنه لن يعتّد به.

باختصار: صارت الثقافة والحضارة في نظام التفاهة تابعة لاقتصاد السوق وما يحدده أصحاب رؤوس الأموال في زمن الرأسمالية المتوحشة العابرة للقارات.

أما الخلاص من «نظام التفاهة» فلا يكون إلا بـ«القطيعة الجمعية» وليس عبر نُشدان الخلاص الفردي.

شاهد أيضاً: الدفاعات السورية تتصدى لعدوان “إسرائيلي” في سماء دمشق ؟!

زر الذهاب إلى الأعلى