انقلاب الغابون.. حكم العسكر يدخل فرنسا في دوامة إفريقية جديدة ؟!
في حدث ينذر بإلغاء الدور الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً، شهدت الغابون انقلاباً عسكرياً قام به ضباط كبار ضد الرئيس المنتخب مؤخراً على بونغو، والذي بات اليوم قيد الإقامة الجبرية، لتثار العديد من التساؤلات حول انتفاضة إفريقية ضد الهيمنة الفرنسية على القارة السمراء، كون الانقلاب أتى بعد انقلاب النيجر الذي حرك الرأي العام الغربي، وسط تهديدات سياسية وعسكرية جمة.
وعلّق الرئيس الغابوني علي بونغو، ابن الرئيس الأسبق عمر بونغو، على عملية اعتقاله بالقول: “لا أدري ما الذي يحدث…”، داعياً “العالم والأصدقاء إلى التحرك والاحتجاج ضد الذين قاموا باعتقاله”، بعد أن تمّ وضعه قيد الإقامة الجبرية، فيما أوقف أحد أبنائه بتهمة “الخيانة العظمى”، بحسب ما أعلن بيان للعسكريين الذين تولوا السلطة في البلاد
وجاءت هذه التطورات عقب إلغاء نتائج الانتخابات، وحلّ الدستور والسيطرة على السلطة، وذلك بعد الإعلان عن فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية، وهو الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً.
فما الذي جري في الغابون الدولة التي تتوسط إفريقيا ؟!
تقع الغابون على ساحل المحيط الأطلسي من إفريقيا الوسطى، وعاصمتها وأكبر مدنها، هي مدينة ليبرفيل وبورت جنتيل، ويقدر عدد سكان الغابون بـ2.3 مليون نسمة، أما لغتها الرسمية في البلاد، فهي الفرنسية.
وأصبحت الغابون واحدة من 4 أقاليم في إفريقيا الاستوائية الفرنسية عام 1910، وهو اتحاد دام حتى عام 1959، ثم نالت استقلالها في 1960 بعد أن كانت مستعمرة فرنسية.
تابعونا عبر فيسبوك
تشتهر الغابون بثرواتها النفطية والذهب واليورانيوم، إضافةً إلى استخراج الألماس والذهب أيضاً، كما تمتلك احتياطيات من خام الحديد عالي الجودة. ولذلك، تُعد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد في إفريقيا، بفضل هذه الثروات، لكن وفق البنك الدولي، لا يزال ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر.
كما أنها تعد مصدراً صافياً للنفط، وهي أحد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، إذ تمتعت بكامل العضوية في المنظمة النفطية في عام 1975، لكنها أنهت عضويتها عام 1995، وانضمت مرة أخرى إلى المنظمة في تموز 2016.
وحسب تقرير للبنك الدولي، هي رابع أكبر منتج للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وهي واحدة من أكبر منتجي المنغنيز في العالم، كما يتم استغلال ومعالجة اليورانيوم بها منذ عام 1961.
بفضل النفط والاستثمار الأجنبي الخاص، تحتل البلاد المرتبة الرابعة من حيث مؤشر التنمية البشرية في إفريقيا وخامس أعلى مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا كلها.
كما أنّ الأخشاب، أصبحت في الآونة الأخيرة القطاع الأكثر أهمية من وجهة النظر الاقتصادية في الغابون، إذ توفر فرص عمل لما يصل إلى 28% من سكان الغابون.
تابعونا عبر فيسبوك
كيف تجلى الدور الفرنسي في الغابون وإلى أين سيصل ؟!
تعد الغابون وفق الكثير من النقاد، نموذجاً للنهب الفجّ الذي جرى تحت رعاية فرنسا. وتنتمي البلاد التي تتوسط إفريقيا وعملتها الفرنك الإفريقي، إلى المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.
وتمنح عضوية الغابون في المجتمع الاقتصادي الفرنسي قدراً كبيراً من الاستقرار؛ لأنّ الفرنك الصادر عن بنك دول وسط إفريقيا، مرتبط باليورو، ما يمنح الشركاء التجاريين الثقة في العملة الغابونية. كما تمتلك فرنسا الاحتياطيات الوطنية للغابون، مثلها مثل 14 دولة إفريقية أخرى في غرب ووسط إفريقيا.
وتوجد نحو 110 شركات فرنسية في الغابون، توفر 14 ألف فرصة عمل وتنتج مبيعات تقدر بنحو 3.23 مليارات يورو، بحسب موقع وزارة الخارجية الفرنسية.
لكن ما يجري حالياً يضع باريس في موقف جديد من تقرير المصير في إفريقيا، كونها سحبت قواتها سابقاً من دول إفريقية عدة بالقوة على خلفية انقلابات مشابهة، وكما أنها تواجه المصير نفسه في آخر انقلاب إفريقي نتيجة المطالبات في النيجر لإجلاء قواتها من ذلك البلد.
الأمر نفسه يبدو ستعيشه القوات الفرنسية في الغابون، بعد تأكيدات من قادة الانقلاب أنه سوف يعملون على طرد قوات باريس على غرار ما تم طلبه في النيجر.
تابعونا عبر فيسبوك
كيف وصل “الرئيس المخلوع” إلى الحكم ؟!
بعد الرئيس الغابوني السابق إمبا، استلم الرئيس الراحل، عمر بونغو “والد الرئيس الحالي علي بونغو” السلطة في البلاد من عام 1967 حتى وفاته في حزيران 2009. وأعلن الغابون دولة الحزب الواحد، وأنشأ حزباً جديداً هو الحزب الديمقراطي الغابوني، كما كان حليفاً وثيقاً لفرنسا التي قدمته كنموذج ناجح لقادة إفريقيا.
وأعيد انتخابه لثلاث فترات رئاسية متتالية، مدة كل منها سبع سنوات. وتحكم عائلة بونغو الغابون، منذ 55 عاماً.
وفي أيلول 2009، انتخب علي بونغو رئيساً للبلاد، وهو لايزال في منصبه حتى إطاحته اليوم، من قبل المجلس العسكري، بعد طعن أحزاب معارضة بنتائج الانتخابات واتهامات بالتزوير والرشوة، تبعتها أعمال حرق للقنصلية الفرنسية في بورت جنتيل.
وتعرض الرئيس علي بونغو في 7 كانون الثاني 2019 لمحاولة انقلاب، عندما نجحت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني في السيطرة على مبنى الإذاعة الوطنية، ومنعوا إذاعة كلمة الرئيس، بمناسبة العام الجديد. لكن أُلقي القبض على الضباط المتورطين، وأعلنت الحكومة الغابون آنذاك فشل محاولة الانقلاب.
يُعد علي بونغو من أهم حلفاء باريس التي لديها وجود عسكري في الغابون، ويقدر معهد أبحاث الدفاع السويدي أنّ “هناك نحو 350 منشأة فرنسية في البلاد”.
تابعونا عبر فيسبوك
ماذا جرى قبل الانقلاب ؟!
في أعقاب أحداث الغابون التي سبقت الانقلاب أخيراً، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأنّ استطلاعات الرأي السابقة في البلد الإفريقي، أظهرت أنّ “لدى عامة الناس رأياً سيئاً للغاية تجاه السياسيين الفرنسيين والجغرافيا السياسية الفرنسية”.
وكما هي الحال في المستعمرات الفرنسية السابقة الأخرى، استطلاعات الرأي التي أجرتها الشركات على مدى الأشهر الـ18 الماضية، أظهرت أنّ “فرنسا لا تحظى بشعبية كبيرة بين غالبية الغابونيين”.
وفي وقت لاحق، قال رئيس المجلس العسكري الحالي، الجنرال برايس أوليغي نغويما، الذي تمّ تعيينه اليوم قائداً للمرحلة الانتقالية في البلاد، في مقابلة مع صحيفة “لو موند” الفرنسية، إنّ “هناك استياء كبيراً في الغابون، ولا أحد يتحمل المسؤولية، ولم يكن لبونغو الحق في الحصول على ولاية ثالثة، وتمّ الاستهزاء بالدستور، ولم تكن طريقة الانتخاب نفسها جيدة، لذلك قرر الجيش أن يطوي الصفحة، ليتحمل المسؤولية”.
وعقب التطورات في الغابون، أعلنت شركة التعدين الفرنسية “إراميت” تعليق عملياتها في البلاد.
وإضافة إلى ذلك، تراجعت أسهم ثلاث شركات فرنسية كبرى، بشكل كبير في بورصة باريس، في أعقاب الانقلاب العسكري حيث كانت تعمل في هذا البلد.
شاهد أيضاً : زيارات أمريكية إلى الشمال السوري بمشاريع وأهداف جديدة ؟!