لماذا تؤخر “إسرائيل” تنفيذ العملية البرية في غزة؟
بعد مرور 17 يوماً على بدء الحرب على غزة، وتزايد التهديدات “الإسرائيلية” بتنفيذ عملية برية ضد فصائل غزة، تُشير المعطيات على الأرض إلى أن تنفيذ هذه العملية غير قريب.
ويوجد رأي عام “إسرائيلي” ضاغط باتجاه تنفيذ العملية البرية في غزة، وتهيئة المستويين السياسي والعسكري للمجتمع “الإسرائيلي” بأنه سيدفع ثمناً بشرياً باهظاً خلالها.
رغم كل ذلك، فما زالت الحشود العسكرية الإسرائيلية على حالها شرق قطاع غزة، فيما لا تشير أعداد وأحجام الأرتال والدبابات والمدرعات عند الحدود إلى هجوم برّي وشيك.
ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الشخصية بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية توترات واختلافات في أوقات الحروب والعدوان “الإسرائيلي” على الفلسطينيين.
بل يمكن القول إن السمة الغالبة على هذه العلاقات بالعادة هي التباين والاختلاف، لأكثر من سبب، لاسيما أن الحديث يدور عن حرب تصفها “إسرائيل” بأنها “وجودية ومصيرية”، ما سيجعل أي قرار يتخذه أيٌّ من المستويات المشار إليها له حسابات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.
تابعونا عبر فيسبوك
ولا يختلف إسرائيليان على أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بات يعدّ أيامه الأخيرة في منصبه، بانتظار نهاية العدوان الجاري على غزة، لأن لجان التحقيق التي سيتم تشكيلها على الفور ستُوجِّه له سيلاً من التساؤلات التي تبدأ ولا تنتهي، حول دوره ومسؤوليته عن إخفاق ما يُسمى اليوم “السبت الأسود”، الذي شهد هجوم “طوفان الأقصى” على مستوطنات غِلاف غزة.
ولذلك فإن نتنياهو قد لا يكون مستعداً لتلقي أسئلة أخرى عن فشل متوقع للعملية البرية في غزة، لاسيما إن وقعت خسائر بشرية باهظة في صفوف الجيش.
صحيح أن الرأي العام “الإسرائيلي” متأهّب لمثل هذه الخسارات، لأنه يواجه حرب البقاء، لكن نتنياهو يعرف أكثر من سواه أنه بعد انقشاع غبار المعارك، وتوقف أزيز الطائرات، وعودة الجنود إلى منازلهم، سيتخلى الكل عنه، وسيواجه وحده لجان التحقيق، وما تُصدره من توصيات بالمُساءَلة والإقالة.
على المستوى العسكري، وعلى رأسه وزير الدفاع يوآف غالانت، وقائد الجيش هآرتسي هاليفي، قد لا يكون لديهما ذات الحسابات السياسية والشخصية التي يحوزها نتنياهو، ولذلك نراهما مقبلين ومندفعين باتجاه العملية البرية، سواء لاستعادة الردع أمام فصائل غزة، أو محاولة ترميم صورة الجيش التي تآكلت كثيراً، ولخشيتهما على تراجع دافعية الجنود في ساحة التدريبات، وهو ما عبَّر عنه بعضهم بحالة الإحباط والملل.
هذا التبايُن دفع الناطق باسم الجيش، دانيئيل هالغاري، على غير العادة، للإعلان صراحةً أنَّ الجيش أكمل استعداداته للعملية البرية، وهو بانتظار قرار المستوى السياسي، ما اعتبره الخبراء والمحللون “الإسرائيليون” غمزاً بقناة نتنياهو، وتحميلاً مبكراً له أي إخفاق متوقع في المعركة البرية.
لم يعد سرّاً أن العدوان على غزة تقوده واشنطن مباشرة، وليس بالوكالة، بل إن بعض الأوساط السياسية تتحدث أن بايدن هو الذي يتحكم في مساراته من خلال مبعوثيه السياسيين والعسكريين، لاعتقاده أنها معركة تخص هيبة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويرى بايدن أن هجوم “طوفان الأقصى” هدَّد مكانته في المنطقة، وقد يشجع أطرافاً أخرى مثل لبنان وسوريا وإيران على الانخراط في المعركة، أو، وهذا هو الأهم، تقديراً من واشنطن أن تل أبيب قد تقدم على اتخاذ قرارات انفعالية غير محسوبة تورطها في معركة واسعة لم تستعدّ لها.
ووصل الضغط الأمريكي على تل أبيب أن وجد بايدن نفسه جالساً في مجلس الحرب “الإسرائيلي”، في سابقة لم تحصل من قبل لرئيس أمريكي، كي يحمي “إسرائيل” من نفسها، في ظل شعور نتنياهو بأن ظهره للحائط، وما يمرّ به الجيش من مهانة وانتكاسة قد يدفعه لارتكاب جرائم حرب أكثر من المرتكبة حالياً، ولذلك يأتي الدور الأمريكي في مطالبة “إسرائيل” بالتريث في العملية البرية، والاكتفاء عنها، حتى الآن على الأقل، بتكثيف الضربات الجوية الدامية.
سبب آخر للدعوات الأمريكية لتل أبيب بعدم الاندفاع نحو عملية برية، يتوافق الجميع على أنها ستكون ضارية ودامية، يتعلق بالأسرى “الإسرائيليين” ذوي الجنسية الأمريكية لدى فصائل غزة، وحاجة واشنطن للإفراج عنهم قبل الشروع بعملية برية.
ويتوقع أن تقتل العملية البرية أعداداً كبيرة ممن سيبقون في غزة، ومن ضمنهم هؤلاء الرعايا الأمريكيين، والكل يعلم حساسية الرأي العام الأمريكي لمقتل رعاياهم خارج الولايات المتحدة، وخشية بايدن أن تتم محاسبته على ذلك، وإمكانية ترجمته سلبياً في مستقبل حملته الانتخابية الوشيكة، ما جعلنا نلحظ الضغوط الأمريكية على الوسطاء، لدفع فصائل غزة للإفراج عن الأسرى الأمريكيين بشكل أساسي.
ولقد تمثلت هذه الضغوط في العديد من الدعوات التي أعلنها ولمّح إليها مسؤولون أمريكيون عديدون، أبرزهم وزير الدفاع لويد أوستين، في أحاديثه المتكررة مع نظيره “الإسرائيلي” غالانت.
ولا يخفى على أحد أن حجم التأثير الأمريكي على “إسرائيل”، في هذه الحرب بالذات، يتجاوز مرحلة المشاورة والطلب والرجاء، إلى مستوى الأمر والقرار، أمام ما قدمته واشنطن من دعم سياسي وعسكري غير مسبوقين لإسرائيل، التي تجد نفسها مدينة لها إلى إشعار آخر.
شاهد أيضاً: “لا يهمنا الأسرى”.. دعوات “إسرائيلية” لاجتياح غزة مهما كان الثمن ؟!