أسرار التفاوض.. يوم فشلت مهمة الانسحاب الأمريكي من سوريا
ذات مرة كانت أمريكا على وشك إخراج قواتها من سوريا حتى آخر جندي، وفي مرة أخرى كانت على وشك تسليم الرقة للجيش السوري، في المرة الأولى كان العرض يقول: الانسحاب الأمريكي مقابل الانسحاب الإيراني.
وفي المرة الثاني كان العرض يقول: الرقة مقابل خبرٍ عن صحفي أمريكي مفقود في سوريا، فما الذي حدث حتى مات كل عرضٍ قبل أن يولد؟.
سوريا وأمريكا.. فرص الانسحاب الضائعة
عام 2018.. وصف ترامب مناطق الشرق السوري بأنها «أرض رمال ودماء»، وأعلن أنه سينسحب من سوريا «قريباً وقريباً جداً».
إعلان ترامب استفزّ فريقه السياسي والعسكري، وحلفاء واشنطن في المنطقة، السعودية و«إسرائيل»، واعتبروا أن هذا الانسحاب سيكون انتصاراً مجانياً لدمشق وموسكو وطهران!.
تدخّل وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” لدى سيد البيت الأبيض، وطلب مهلة لتحصيل مكسب مقابل الانسحاب، فأعطاه ترامب مهلة 6 أشهر لترتيب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فما الذي حدث لاحقاً؟.
في مقابلة تلفزيونية عام 2019، روى زعيم الحزب في جنوب لبنان، أن الولايات المتحدة وجهت رسالة إلى سوريا وإيران عبر روسيا قالت فيها إنها مستعدة للخروج الكامل من سوريا، وإنها لن تبقي جندياً أمريكياً واحداً حتى في التنف، ولكن مقابل خروج إيران والجماعات الموالية لها من سوريا.
الروس أرسلوا وفداً رفيع المستوى إلى دمشق، التقى الرئيس بشار الأسد وأبلغه بالأمر، فرفض الأسد العرض الأمريكي، وقال إن الإيرانيين موجودون بطلب منا أما الأمريكيون فمحتلون.
كما أبلغ بوتين شخصياً الرئيس الإيراني بهذا المطلب.. وكذلك رفضت طهران الطلب الأمريكي، وقالت إنها موجودة في سوريا بطلب من حكومة دمشق.
ترامب كان سينسحب أصلاً من الأراضي السورية من دون هذا الثمن، لكن فريقه طلب مهلة لتحصيل ثمن يأخذه ترامب كإنجاز عظيم يحتفل فيه أمريكا.. فجاء الرفض السوري ليرمي العرض الأمريكي في سلّة المهملات! .
ولكن ما قصة العرض الثاني؟ وكيف انتهى؟.
تابعونا عبر فيسبوك
روى مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء “عباس إبراهيم” لموقع “المجلة” تفاصيل وساطته في مفاوضات سرّية بين مبعوثَين من قبل ترامب ومدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك في دمشق.
بدأت الحكاية ربيع 2019، عندما زار مسؤولان أمريكيان مكتب اللواء عباس في بيروت، هما أحد كبار مستشاري ترامب آسيوي الجنسية، و«روجير كارستنز» المكلف بموضوع متابعة ملف الرهائن في العالم.
المسؤولان الأمريكيان طلبا ترتيب لقاء مع المسؤولين السوريين لبحث ملف الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا “أوستن تايس”.
بعد أشهر وافقت دمشق على الزيارة مقابل شروط تم إرسالها عبر اللواء عباس إبراهيم إلى السلطات الأمريكية التي وافقت عليها.
الشروط السورية كانت كما يلي:
– انسحاب القوات الأمريكية من الرقة كاملة
– رفع العقوبات أو بعضها عن سوريا
– إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
كان لأمريكا شرطاً وحيداً لا ثاني له، يقول: أعطونا دليلاً فقط على أن الصحفي «أوستن تايس» ما زال على قيد الحياة!.
تمت الزيارة فعلاً، واستقبل اللواء علي مملوك الوفد الأمريكي في مكتبه، وبعدها ذهب اللواء عباس إبراهيم إلى واشنطن بدعوة من البيت الأبيض لوضع اللمسات الأخيرة على الموضوع.
وبينما كان عباس في أمريكا خرج ترامب بتصريح مستفزّ، وأعلن أنه يريد اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، فاتصل اللواء علي مملوك باللواء عباس وطلب منه إيقاف المفاوضات مع واشنطن.
كان تصريح ترامب يتناقض كلياً مع الروح الإيجابية الموجودة، وشكّل صدمة تعني عدم الصدقية للجانب السوري، وعدم الثقة بكلام الجانب الأمريكي.. فأقفلت دمشق باب التفاوض نهائياً!.
فشلت واشنطن في إقناع دمشق بالانسحاب الكامل مقابل الانسحاب الإيراني، ثم أفشل رئيسها مفاوضات الانسحاب الجزئي بتصريح متهوّر.
جاءت النتائج لاحقاً في أواخر العام نفسه بانتقام أمريكي، تمثّل بخطوتين:
الخطوة الأولى: تراجع ترامب عن الانسحاب من سوريا من دون ثمن، وإعادة تجميع القوات الأمريكية حول آبار النفط، بعد انسحاب جزئي من مناطق شمالي سوريا، وإعطاء تركيا الضوء الأخضر للتوغل في هذه المناطق عبر ما عرف بعملية «نبع السلام».
الخطوة الثانية: توقيع ترامب قانون “قيصر” لمعاقبة سوريا اقتصادياً، الذي دخل حيّز التنفيذ بعد 6 أشهر في حزيران عام 2020.
وختاماً.. لك عزيزي المتابع أن تتخيل كيف سيكون وجه سوريا السياسي والميداني والاقتصادي اليوم، لو كُتِب النجاح للمفاوضات بين واشنطن ودمشق قبل 4 سنوات!.
شاهد أيضاً: بايدن يعلّق على “الهدنة الإنسانية” في غزة ؟!