تـاج.. وفرقة القمصان الحديدية
إذا كنت قد شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل “تاج”.. فهل لفت انتباهك ما سرده الراوي في بداية الحلقة حين قال إن الملاكم “تاج الحمّال” كان قائداً في “فرقة القمصان الحديدية” أيام الانتداب الفرنسي؟!.
هذه الفرقة ليست من وحي خيال الكاتب.. بل كانت فعلاً موجودة.. ولها شعار خاص.. ولباس خاص.. ونشيد خاص.. وتحية هتلرية.
الزعيم فخري البارودي، واحد من أشهر الشخصيات السياسية في سوريا زمن الانتداب الفرنسي، كان يلقب بـ”شيخ الشباب”!.
أنشأ البارودي مع قادة “الكتلة الوطنية” عام 1936 جناحاً شبه عسكري لمواجهة الانتداب عرف باسم “فرقة القمصان الحديدية”، تطوع فيها آلاف الشباب وانتشرت في معظم مناطق سوريا من الجنوب إلى الشمال.
كان لـ”فرقة القمصان الحديدية” شعارٌ خاص على شكل “ساعد مفتول يقبض بشدة على مشعل ملتهب”، ولباسٌ خاص: “قميص وبنطلون حديديان”.. وتحيةٌ هتلرية!.
أيضاً كان لهذا الجيش الشعبي نشيد خاص كتبه الشاعر عمر أبو ريشة.. يقول في أحد أبياته: “لا تطيق السادةُ الأحرار أطواقَ الحديد.. إنّ عيشَ الذلّ والإرهاب أولى بالعبيد”.
جاءت فكرة إنشاء تنظيم “القمصان الحديدية” تشبّهاً بالأحزاب القومية في أوروبا خلال تلك الفترة، خاصة في ألمانيا، وبالتحديد “فرقة القمصان البنية” بقيادة “أدولف هتلر”.
تابعنا على فيسبوك
ينتقد السياسي السوري البارز في تلك الحقبة أكرم الحوراني فرقة “القمصان الحديدية” وقادتها، ويقول في مذكراته: إن الكتلة الوطنية كانت عاجزة عن تنظيم الشباب الوطني كقوة ضاغطة في المفاوضات مع فرنسا أو إعدادها لتكون قوة تحرير، بل “اهتمت اهتماماً كبيراً بمظاهر التنظيم الخارجية كاللباس والشارات على الطريقة الفاشية الدارجة والجذابة في تلك الأيام”.
يضيف الحوراني أن أخبار الفرقة الحديدية في الصحف كانت تنحصر بأنباء الولائم التي يقيمها بعض قادة الكتلة الوطنية لهم، والخطابات التي تلقى في تلك الولائم، وتهديد كل من تسوّل له نفسه الخروج عن الخط السياسي الذي تنتهجه الكتلة الوطنية!.
وقال في مذكراته باختصار إن هذه القوة الشعبية تحوّلت إلى “سلاح إرهابي ضد معارضي الكتلة الوطنية بدلاً من أن تكون قوة ثورية في وجه الانتداب الفرنسي”.
صحيفة “ليزيكو” الدمشقية الناطقة بالفرنسية سخرت من مظاهر الفرقة، وقالت إنها بقمصانها الرمادية “تكمل سلسلة الألوان الدولية: القمصان الفاشستية السود، والقمصان الهتلرية السمر، وقمصان ستالين الحمر، وقمصان الفرنسيين الزرق، وقمصان نحاس باشا الخضر”!.
أما المؤرخ السوري عبد الله حنا فقد ذكر في كتابه “الأحزاب السورية في القرن العشرين” أن فرقة القمصان الحديدية كانت تتشبه بالهتلرية والفاشية شكلاً لا مضموناً مثل اللباس والتحية، لكنها كانت تحمل أفكار وطنية كمقاومة الانتداب الفرنسي.
لاحقت القوات الفرنسية الفرقة وحظرتها، وتفرّق أعضاؤها عام 1939.. منهم من انشق عن الكتلة، ومنهم من نفي خارج البلاد.. وهكذا غاب ذكر “فرقة القمصان الحديدية” من يومها!.
شاهد أيضاً: “سلاح ليزر” ثورة يمكن إحداثها بعالم الدفاع الجوي