هل يشبه عالم اليوم فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية ؟!
ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية أن “العالم اليوم يشبه فترة الثلاثينات. فاليوم، كما كان الحال في السابق، يتغير ميزان القوى بشكل ينذر بالسوء، حيث تسعى الدول غير الديمقراطية إلى انشاء إمبراطوريات توسعية، كما وبدأت العلاقات بين بعضها البعض تزداد قوة. أما الديمقراطيات فباتت مهددة من الخارج والداخل. إن النظام الدولي الحالي أقوى من ذلك الذي انهار في الثلاثينيات، وذلك بفضل الاستقرار الذي لا تزال القوة والتحالفات الأميركية توفره. لذلك، إن الانهيار الكارثي للنظام العالمي أمر غير وارد”.
وبحسب الوكالة، “إن الخطر الأعظم الذي يهدد أي نظام دولي هو الافتراض بأن إنجازاته دائمة وأن أعدائه سوف يظلون في مأزق دائم، وبالتالي فإن الدفاع عن النظام الليبرالي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية يتطلب تعلم الدروس المستفادة من حقبة سابقة أكثر قتامة حيث فرض مثل هذا الرضا عن النفس تكلفة باهظة. لا أحد يجادل في أن التاريخ ينبغي أن يوجه السياسة، ولكن يبقى السؤال ما هو التاريخ الأكثر أهمية. بالنسبة للعديد من المعلقين، الجواب ليس الحرب العالمية الثانية، بل الأولى. صحيح أن الحرب العالمية الأولى، مثلها كمثل التنافس بين الولايات المتحدة والصين اليوم، نتجت عن توترات بين القوة المهيمنة الليبرالية، المملكة المتحدة، والمنافس الأوراسي غير الليبرالي، ألمانيا الإمبراطورية. في هذه الحالة، يُعتقد أن الأخطاء الفادحة وسوء التقدير تسببت في صراع مدمر لم يكن أحد يريده حقًا. لذا فإن الضرورة الحتمية في الوقت الحاضر تتلخص في الحد من التوترات، وتجنب سباقات التسلح، والحد من فرص “السير نائماً” نحو الكارثة”.
وتابعت الوكالة، “الحرب العالمية الأولى لم تكن حرباً عرضية، فقد كان السبب الجذري لها هو سلوك ألمانيا التي أدت قوتها وطموحها إلى استقطاب أوروبا، والتي واجهت مخاطر هائلة في صيف عام 1914 على الرغم من علمها بأن صراعًا قاريًا قد ينشأ. وأدت الجهود البريطانية للحد من التوترات خلال تلك الأزمة إلى جعل الحرب أكثر احتمالا، من خلال إعطاء برلين أملا كاذبا بأن لندن قد تنسحب من القتال. واليوم تبدو أوجه التشابه مع الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية أكثر وضوحا”.
وأضافت الوكالة، “إن المشكلة الاستراتيجية الأساسية في وقتنا الحالي تعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وليس العقد الأول من القرن العشرين. لقد اندلعت الحرب العالمية الأولى بسبب التوترات داخل منطقة واحدة، وهي أوروبا. ولكن اليوم، كما كان الحال قبل الحرب العالمية الثانية، يتعرض النظام السائد للتحدي على جبهات متعددة من قِبَل جهات فاعلة متعددة. والدرس الأول هو أن النظام الدولي من الممكن أن ينهار بسرعة ودقة مدمرة”.
وبحسب الوكالة، “لقد أظهر سلوك روسيا في أوكرانيا منذ عام 2014 كيف أن ما يبدأ كتوغل محدود في منطقة متنازع عليها يمكن أن يتحول إلى محاولة لمحو أمة بأكملها. وتذكرنا الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط كيف أن إيران قادرة على تنمية وكلاء قادرين على جر المنطقة إلى حالة من الفوضى. وفي شرق آسيا، تجري الصين ما وصفه أحد الضباط الأمريكيين بأنه “أكبر حشد عسكري في التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية”. وفي الواقع، لا تخفي هذه الدول رغبتها في إعادة ترتيب المناطق من حولها وقلب عالم نظمته القوة الأمريكية منذ فترة طويلة. ولكن، لا يزال أمامهم بعض المسافة ليقطعوها، فحقيقة أن الخطوط الأمامية للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين تقع في مضيق تايوان، وليس في وسط المحيط الهادئ، وأن المنافسة بين روسيا والغرب تحدث في أوكرانيا، وليس أوروبا الوسطى، تشهد على إنجازات النظام الحالي. لكن افتراض أن هذا النظام محصن ضد الضغوط التي تمارس عليه هو مخاطرة، مرة أخرى، من مدى سرعة انهيار الأمور”.
تابعنا عبر فيسبوك
وتابعت الوكالة، “لا يتقاسم التعديليون اليوم الكثير في ما يتجاوز الحكم غير الليبرالي والاستياء من القوة الأمريكية، وهذا يكفي لإنتاج تعاون يؤدي إلى نتائج ضارة. لقد سرّعت روسيا من صعود الصين العسكري من خلال بيعها طائرات وصواريخ ودفاعات جوية متقدمة، والآن من خلال شراكات تكنولوجية غامضة تهدف إلى تسريع تطوير القدرات الحساسة. وعززت إيران وكوريا الشمالية هجوم روسيا على أوكرانيا من خلال بيع طائرات مسيّرة ومدفعية وصواريخ لها، كما وزودت الصين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرقائق الدقيقة ومنافذ التجارة الروسية. إذاً، يستطيع بوتين أن يرمي جيشه ضد أوكرانيا لأنه لا داعي للقلق بشأن العداء من جانب الصين”.
وبحسب الوكالة، “لا يجب التقليل من شأن ما يمكن أن تؤدي إليه هذه التحالفات، فإذا باعت روسيا للصين أكثر تقنياتها حساسية في مجال تهدئة الغواصات، فقد يؤدي ذلك إلى قلب التوازن تحت سطح البحر في غرب المحيط الهادئ رأساً على عقب. وإذا نشرت موسكو قواتها بشكل خطير في أوروبا خلال المواجهة الصينية الأمريكية في آسيا، فسوف تتعرض واشنطن لأزمات على جبهات منفصلة. إذاً، لا يحتاج محور الدول غير الديمقراطية اليوم إلى أن يكون تحالفاً رسمياً إذا كان الهدف ببساطة هو تحميل النظام الدولي فوق طاقته من خلال تعزيز تحديات أكثر خطورة من تلك التي تستطيع أميركا التعامل معها في وقت واحد. في الحقيقة، ينبغي أن يكون هدف سياسة الولايات المتحدة هو منع نشوب حرب كبرى، وخاصة ذلك النوع من الحرب العالمية التي اندلعت في ثلاثينيات القرن العشرين. ومع ذلك، فإن أفضل طريقة لردع الحرب هي الاستعداد لشنها بفعالية، وقد تكون متطلبات أي صراع بين القوى العظمى شديدة”.
وتابعت الوكالة، “قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الولايات المتحدة يجب أن تكون “ترسانة الديمقراطية” لإسرائيل وأوكرانيا، لكن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية أصبحت الآن هشة، ولهذا السبب تكافح البلاد لإنتاج المدفعية والأسلحة الأخرى التي تحتاجها أوكرانيا لصد روسيا. إذاً، يتعين على الولايات المتحدة أن تجد، في الحروب الدائرة بالفعل، الضرورة الملحة اللازمة للاستعداد لما قد يأتي. قد يبدو هذا عبئاً ثقيلاً، فهو يتطلب من واشنطن وحلفائها البدء في التعامل مع اللحظة الحالية باعتبارها فترة ما قبل الحرب”.
وبحسب الوكالة، “قد تبدو المساعدات المقدمة لأوكرانيا باهظة الثمن، ولكن هل سيكون من الأرخص أن نرى أوكرانيا مهزومة، ثم نخوض مواجهة مباشرة مع روسيا؟ في آسيا، فإن الاستثمارات اللازمة في القدرات العسكرية وبناء التحالفات اللازمة للحفاظ على الوضع الراهن ضخمة. ولكن هل سيكون من الأسهل كبح جماح الصين بمجرد استيلائها على تايوان وإلقاء ظلها المهيمن على غرب المحيط الهادئ؟ وفي الشرق الأوسط، يشكل إبقاء الممرات البحرية الحيوية مفتوحة أمرًا صعبًا، ومن المؤكد أن السماح للقوات المعادية بإغلاقها سيؤدي إلى خسائر أكبر، من حيث الخسائر الاقتصادية وتعميق التدهور الاستراتيجي”.
شاهد أيضاً: تقرير لـ “بي بي سي” يؤكد امتلاك الحوثيين لصواريخ فرط صوتية