العلاقات الأمريكية بدول الاتحاد الأوروبي تتآكل.. والسبب؟!
تعيش دول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات طويلة حالة من التحدي في العلاقة مع الحليف الاستراتيجي الأمريكي، والتي مرّت بمطبات كثيرة خلال العشر سنوات التي انصرمت.
وتحتدم النقاشات عن العلاقة المثلى بواشنطن في سياق “تنافس” عالمي، مع الصعود الصيني على الساحة الدولية، وشكّلت الحرب الأوكرانية منذ شباط 2022، أحد ركائز تراجع نبرة التوتر في علاقة الحليفين الغربيين، والتي شهدها عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وعلى الرغم من ذلك جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد زيارته إلى الصين، عن ضرورة أن تستيقظ أوروبا وتناقش تبني سياسات أكثر استقلالية وأقل تبعية لأمريكا، لتطرح أسئلة حول العواقب وتأثيراتها على السياسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب مصالحها الاقتصادية المتعمقة مع بكين.
ويبدو أن أفكار ماكرون ليست جديدة، “بل هي تكرار لمواقف سابقة صدرت عنه وعن برلين في بعض الأحيان”، كما يذكر الباحث والخبير في علاقات أوروبا بالصين في كوبنهاغن، أندرياس بويا فورسبي.
ويشدد فورسبي على أن “تلك التصريحات لا تلقى شعبية في الظروف الحالية التي تمر بها القارة”، أما مصدر القلق الذي تشكله “النزعة الماكرونية”، الديغولية القديمة، المُعبّر عنها مجدداً، فمصدرها بحسب الباحث “استغلال صيني لها في سياق محاولات فرض تباعد بين القوى الغربية”، مضيفاً أن “فكرة نظام عالمي متعدد الأقطاب غير واقعية، بل مجرد هراء”.
تابعونا عبر فيسبوك
ليس سراً أنه ثمة خشية لدى منتقدي تصريحات ماكرون من أن يؤدي السجال، إذا ما تعاظم في الأسابيع المقبلة، إلى مزيد من انقسام داخل أوروبا، وتشكيك بمكانتها فيما يتعلق بالعلاقة الصينية ـ الأميركية.
فتسويق ما يسمى “سيادة استراتيجية” لأوروبا في علاقتها بالقوتين، خصوصاً بما يتعلق بسياسات الولايات المتحدة في آسيا عموماً، وتايوان على وجه التحديد، لم يرق هذه المرة حتى لبرلين، التي كانت قبل الحرب الأوكرانية تعبّر ضمناً وظاهراً عن الرغبة الفرنسية.
وإلى جانب برلين، تأتي مواقف أوروبية في شرق القارة، وهي الأكثر خشية من مشاريع روسيا ومحاولات فرض نظام عالمي جديد، كما الحال مع دول البلطيق ودول إسكندنافية.
صحيح أن ماكرون أطلق في 2019 عبارته الشهيرة عن أن حلف شمال الأطلسي “ميت دماغياً”، إلا أن الظروف مختلفة اليوم عن فترة السجال مع ترامب، والذي شمل برلين في عهدة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وعواصم أوروبية أخرى.
في الظاهر استقبلت عواصم أوروبية ببرودة طروحات ماكرون الأخيرة عن استقلالية القارة، بينما عملياً يرى البعض أن العلاقة التجارية المتينة مع الصين، وتزايدها خصوصاً مع ألمانيا، تزعج أطرافاً في أوروبا الشرقية ودول البلطيق وواشنطن، المتوجسة من العلاقة الصينية ـ الروسية.
ويعتبر الباحث الأوروبي فورسبي، أن “عمق علاقة القارة بالصين هو ما تستغله بكين لخلق استقطاب لمصلحتها بدلاً من واشنطن”، وعلى سبيل المثال، فإن هولندا باتت اليوم أكبر مستورد للبضائع من الصين، وهو ما يفسر زيارة ماكرون إلى أمستردام بعد بدء السجال الذي تسببت به تصريحاته.
ويشير فورسبي إلى أن “فرنسا تفكر بطريقة وكأنها قوة عظمى، وهو جوهر تفكير ماكرون، فيما برلين تفكر بنفس الطريقة، ولكنها متحفظة رغم ذلك عن الإفصاح بنفس طريقة باريس”.
تابعونا عبر فيسبوك
وقدمت أخيراً بعض القوى الاستقلالية النزعة في القارة الأوروبية نقاشاً خجولاً حول رغبة الصين بتحويل أوروبا إلى قطب، في سياق علاقات دولية ثلاثية القطبية (واشنطن ـ بكين ـ أوروبا).
ويعتبر أن هذه المحاولة لجعل أوروبا بعيدة عن واشنطن: “يمكن أن تتسبب بمشكلة في العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية، إذ من المحتمل أن تستغلها قوى أميركية تريد بالفعل الانسحاب من أوروبا”.
ويعترف الأوروبيون، من إسكندنافيا شمالاً إلى جنوب القارة، أن سياسة “إجبار الصين” لا تنفع، بل تستطيع القارة استخدام نفوذها: “للمناشدة ودفعها نحو مواقف غير متشددة، وهو ما تعترف به رئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لاين)”، بحسب مراقبين.
عملياً يبدو أن أوروبا، بما فيها بريطانيا من خارج الاتحاد الأوروبي، تعيش واقعاً في ظل حقائق الانقسام بشأن السياسات الخارجية والأمنية ـ الدفاعية.
وكشفت الحرب الأوكرانية هشاشة دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لروسيا، خصوصاً شرق القارة ودول البلطيق الصغيرة، ومعها دول إسكندنافية، من الخطوة الروسية التالية بعد أوكرانيا، ما جعلها أكثر تشدداً ونقداً لسياسات التراخي، تحديداً من قبل باريس وبرلين التي اعتبرتها “مقوضة لوحدة الموقف الأوروبي”، بعض الدول الأوروبية الأخرى تظهر ميلاً لانتهاج سياسة وسطية تحافظ على مصالحها التجارية المتعاظمة مع بكين.
شاهد أيضاً : آخر تطورات الأحداث في السودان